20 سبتمبر 2025
تسجيللنصف قرن ومآسي أفغانستان مستمرة، ومتواصلة، فمنذ أن سطا الشيوعيون على السلطة في انقلاب تصادف ذكراه هذه الأيام من شهر يوليو/ حزيران من عام 1973، بواجهة السردار محمد داود ابن عم الملك ظاهر شاه، وكرة ثلج المآسي والمشاكل والمصائب تتوالى وتكبر على هذا البلد المنكوب. يومها دفع الاتحاد السوفياتي بعض الجنرالات الشيوعيين الذين سبق أن تخرجوا من كلياته العسكرية لإغراء السردار الأحمر محمد داود للانقلاب على الملك الذي كان في زيارة طبية خارجية إلى إيطاليا، فينهي بذلك الملكية الأفغانية ويعلنها جمهورية، ولم يمر أكثر من نصف عقد حتى بطش الشيوعيون الجنرالات برئيسهم الذي استخدموه كحصان طروادة ثم أطاحوا به في نيسان من عام 1978. ومع سيطرة حركة طالبان الأفغانية على السلطة في أغسطس/آب من العام الماضي، لا تزال الحكومة الجديدة تحت عقوبات دولية قاسية، يدفع ثمنها في الواقع الشعب الأفغاني، وقد أتى الزلزال الأخير الذي ضرب مناطق الشرق الأفغاني المحاذية لباكستان، ليعمق الجراح الأفغانية، خصوصاً وهو الذي أوقع أكثر من ألف ضحية، وضعفهم من الجرحى، وأضعافهم من المشردين التائهين، الهائمين على وجوههم، وعلاوة على ذلك كله، فإنه وبحسب تقرير الأمم المتحدة الذي نشر في مايو/أيار الماضي كشف أن نصف الشعب الأفغاني يواجه مجاعة حقيقية. للأسف الشديد فإن كارثة الزلزال الأفغاني التي من المفترض أن ينأى فيها المجتمع الدولي عن تسييس المعاناة والكوارث، وجدناه أشد تسييساً لها في أفغانستان، فكان ذلك على حساب الضحايا، ومعاناة الأفغان المتضررين، وهو الأمر الذي عزز القناعة الشعبية الأفغانية الراسخة أصلاً في العقلية الأفغانية، من أن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم، مما سيكون له تداعيات بعيدة المدى، ومثل هذه التداعيات سبق أن رأيناها بالتخلي عنها في التسعينيات باحتضان جماعات إسلامية مسلحة مطلوبة، تطور الأمر إلى ما وقع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ولذا لا بد من الحذر والتنبه للتعامل مع هكذا ظروف وأوضاع، إذ لا يمكن فصلها عن مربعات ومجالات أخرى، ونحن نرى حالة الإحباط واليأس التي استبدت بالأفغاني العادي من جراء التخلي العالمي عنه، بل ومصادرة أمواله كما حصل بتجميد أموال الدولة الأفغانية في أمريكا. الأغرب أن أمريكا التي دفعت خلال أربعة أشهر فقط أكثر من سبعة مليارات دولار لأوكرانيا في الحرب مع روسيا، نراها لا تزال تصر على تجميد أرصدة الدولة الأفغانية والبالغة أكثر من تسعة مليارات دولار، ومثل هذا المبلغ قادر على حل مشكلة أفغانستان في الوقت الراهن على الأقل، لاسيما فيما يتعلق برواتب العاملين، ولعل المفاوضات التي دخلتها أمريكا أخيراً مع الحكومة الأفغانية ستُسهل مسألة رفع التجميد عن الأموال الأفغانية، وتخفف بالتالي من معاناة الشعب الأفغاني. ينبغي الاعتراف بحقيقة مهمة وهي أنه منذ وصول طالبان إلى السلطة فإن البلاد حققت تطوراً أمنياً ملحوظاً ومشهوداً، إن كان على صعيد ضبط الفلتان الأمني وتوفير الحماية للمدنيين، أو من خلال التصدي لجماعات داعش، والقدرة على تحييد عملياتها، وقد برز ذلك في النجاحات المتعددة والمتوالية التي حققتها الحكومة الجديدة في الفترة الأخيرة، ومثل هذه النجاحات كان ينبغي أن تشكل رافعة حقيقية في التعاطي الدولي مع طالبان الأفغانية، مما سيغريها أكثر على المضي قدماً في هذه الاستراتيجية أولاً، وثانياً يغريها بالتحرك في مساحات أخرى بما يحقق أمن الشعب الأفغاني والذي هو في الحقيقة والواقع مرتبط بأمن جيرانه، لكن للأسف نرى التعاطي الدولي سلبي، أو غير مكترث لكل هذه النجاحات وهذا التعاطي الإيجابي. لا تزال الحكومة الحالية حريصة على عدم الدخول في محاور منطقوية ودولية قد تجرّ الويلات على الشعب الأفغاني، ومعه المنطقة، مع أن الفرصة لا تزال قائمة مع تعميق الحرب الأوكرانية، وتعميق معها سياسة المحاور العالمية والمنطقوية، ولذا فالمسارعة لحسم ملفات أفغانية مفتوحة ستكون لصالح القوى الغربية تحديداً والمنطقة والعالم بشكل عام، أما دفع الحكومة الأفغانية الحالية باتجاه الصين وروسيا، فإن ذلك سيكون له تداعيات ومفاعيل سلبية خطيرة على المجتمع الغربي، ولعل هذا ما دفع الأمريكان إلى فتح حوار جديد مع الحكومة الأفغانية الجديدة بخصوص رفع التجميد عن الأموال الأفغانية، والذي أتى بعد تلميح روسي بالاعتراف بحكومة كابول الجديدة.