15 سبتمبر 2025
تسجيلأضاف القرآن أحوال الإنسان كلها إلى الله ولم يقرر له إلا منصب الأمانة.والخلافة (وأن إلى ربك المنتهى، وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا، وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى وأن عليه النشأة الأولى، وأنه هو أغنى وأقنى).لأجل ذلك خوطب المسلمون فقال لهم سبحانه (وآتُوهُم من مال الله الذي آتاكم) وقال (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) فقرر الله سبحانه إنه هو المالك الحقيقي والوارث الحقيقي. وقد سئل أعرابي كان في قطيع غنم يملكها سئل لمن هذا القطيع فكان جواب الرجل: هو لله عندي! وهذا هو جواب العقل وسداد الرأي فلا يظن الإنسان بالملك قد أصبح مالك الملك (لله ملك السموات والأرض).لقد غرس القرآن فكرة الأمانة والخلافة وأرسخها في نفوس وعقول السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم.فاعتبر نفسك مستخلفاً وهذه النظرة تجعلك تدقق فيما تنفقه على نفسك أو على غيرك، فأنت مراقب في تصرفك مراقب من صاحب الملك الذي وظفك فيه وأتمنك عليه فالمال مال الله. فإذا ملكت من حلال فإن الإسلام يوجب عليك أول ما يوجب بعد كفايتك ومن تجب عليك نفقته بالقسط- فريضة الزكاة التي هي حق لمستحقيها لا تفضلاً (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).إنها واجب اجتماعي تعبدي لذلك سماها زكاة لأن معنى الزكاة الطهارة والنماء فهي طهارة للضمير والذمة بأداء الحق المفروض وهي طهارة للنفس والقلب من فطرة الشح وغريزة حب الذات لأن المال محبوب لدى النفوس (وتحبون المال حباً جماً) فحين تجود النفس به للآخرين إنما تَطُهر وترتفع وتشرق.وهي طهارة للمال بأداء حقه وجعله مالاً حلالاً وقد حدد المولى عز وجل مستحقيها وقدر النبي الخاتم المال الذي تجب فيه ومقدار ما يخرج منه ولم يوكل ذلك إلى رأي سلطان جائر أو فقيه فاجر ولا إلى همة الأفراد وطموحهم ولا إلى العواطف والانفعالات ولا إلى تشريع المشرعين فلا يُؤمَن عليها من اتباع الهوى والأغراض ففُرضت الزكاة وحدِّدت أنصبتها ومقاديرها فلولا التقدير لفرض مفرط ولاعتدى المعتدي وجعلها تفي بالحاجة ولا تثقل كاهل المتصدق فيبخل ويعسر عليه أداؤها كما أنه عين لها مدة لا تكون قصيرة يسرع دورانها فتعسر إقامتها فيها ولا تكون طويلة لا تنجع من بخلهم ولا تدر على المحتاجين ومن له حق فيها إلا بعد انتظار شديد.قال ابن القيم رحمه الله تعالى ثم إنه أوجبها مرة كل عام وجعل حوْل الزروع والثمار عند كمالها واستوائها وهذا أعدل ما يكون.إن الزكاة هي قاعدة المجتمع المتكامل المتضامن، وقد ذكر كثير من العلماء عناية الإسلام بالفقراء وحدبه على الطبقات البائسة واستشهدوا بالزكاة تلك الصدقة التي فرضت في أموال الأغنياء مواساة للفقراء علماً بأن الزكاة لا تعدو أن تكون ضريبة إحسان، ومكان الإحسان المالي في بناء المجتمع ليس من نصيب الكسالى القادرين، فمن العبث أن تربط حياة قسم كبير من الأمة بفضلات إيدي الناس فالشخص القادر لا يجوز أن نفرض عليه الاعتماد على الزكاة وإلا انقلبت الزكاة تشريع فساد لا تشريع إصلاح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجوز الصدقة لغني ولا ذي مِرة قوي).فالرجال الأصحاء لابد وأن تُهيأ لهم وسائل العمل وإنما الزكاة لأهل العجز وعدم القدرة على الكسب أو لم تتوفر لهم أسباب الكسب.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .