12 سبتمبر 2025
تسجيلبدأ زمن مصري آخر. انتهت تجربة أول رئيس مصري منتخب إلى العزل وبدأت دورة جديدة كاملة، بما أوحى للمتابعين أن مصر كتب عليها أن تعيش وضعية محو كل خطوة تتقدم بها لتعود من جديد إلى أول السطر. لكن المتابعين لأحوال الثورات وتقلباتها ولحجم ما تحقق من وعي لدى الشعب بعد أن ذاق طعم الحرية وما ترسخ للديمقراطية من وجود في بنية المجتمع، المتابعون لكل هذا يرون أن مصر لن تعود إلى أول السطر، فكل ما تحقق سيكون أساسا لن يستطيع أحد محوه مهما كانت الإجراءات وعوامل القوة التي يجرى بها فرض التغيير الجديد. لن يعود الشعب المصري الذي كان في عهد مبارك أبدا. بل يمكن القول بأن كل ما جرى منذ بداية الثورة في يناير 2011 وحتى إطاحة الرئيس المنتخب، ليس إلا تحضيرا لوضع جديد سيكون أكثر شمولا واتساعا وعمقا في التغيير، وإن ما جرى الأيام الماضية جاء ليعمق هذا الفهم ويفتح الطريق لحدوثه على نحو لا يمس وحدة الشعب ويقي مصر من مخاطر هذا التغيير الحقيقي. الزمن المصري الجديد، لن يستطيع الحاكم فيه أن يستبد بالشعب مهما كان جبروته. والزمن المصري الجديد سيشهد حضور الشعب في صناعة القرار والمستقبل. وإذا كان البعض يتصور الآن أن الأمور سوداء وأن ما كان قبل ثورة يناير سيعود، بفساده وقهره وارتباطاته بحالة التبعية للخارج، فإن الأمور ستنجلي عن وضع آخر سيكون التغيير فيه أشد جذرية سيطال كل المؤسسات والفئات خاصة تلك التي نجت من التغيير السابق ظنا من الناس أنها ستعدل وتوفق أوضاعها. لن يتكرر التغيير على نمط ما حدث في ثورة يناير. وإذا كان هناك من يرى أن هناك ثورة تصحيح لمسار الثورة فالقول صحيح وإن اختلف المعنى والمضمون، إذا واقع الثورات والتاريخ ومنطق الأمور يقول إن موجة ثالثة حقيقية يفتح الطريق لها الآن. ما جرى في الساعات الأخيرة في مصر هو إطالة واستطالة جديدة للمرحلة الانتقالية. تلك الحالة تعني أن الملعب أعيد افتتاحه لممارسة النشاط السياسي وسط جو ملتهب أو شديد الالتهاب. لقد أعيد فتح ملف المرحلة الانتقالية والبلاد تعيش حالة انقسام تعمقت على نحو حاد بعد إطاحة الرئيس المنتخب، الذي لاشك هناك من كان وسيظل مدافعا عن شرعيته. فضلا عن ما تعيشه البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة وتزداد حدتها. وقولا واحدا، فإن التوازنات التي جرت صناعتها ودعمها لإطاحة الرئيس المنتخب، لن تعيش طويلا بل ستشهد تغييرا متصاعدا، فتلك حركة التاريخ ووقائع الأمور. فالحرية لن يستطيع أحد الآن العودة عنها وهو أمر بارز في الإجراءات الجديدة وخريطة الطريق التي اعتمدت آليات الديمقراطية في إعادة البناء الجديد. الانتخابات ستجرى واسعة وعديدة لانتخاب الرئيس الجديد ومجلسي الشعب والشورى والانتخابات المحلية وغيرها. وتلك آلية ستعيد تغيير توازنات اللحظة الراهنة. وعلى الجميع أن لا ينسى أن الشعوب لم يعد أحد يستطيع أن يزيف وعيها لفترة طويلة، فدورة التغيير أصبحت سريعة، كما أن لا أحد فيمن يهيمنون الآن على البلاد صاحب كاريزما قادرة على إحداث حالة التفاف حوله، أو صاحب تاريخ قادر على دفع الناس لتحمل أية أوضاع معادية للحريات. بدأ زمن مصري آخر. والأيام القادمة ستظهر إلى أين تسير البلاد، وعلى الجميع أن يتريث في حساباته وأن لا يتعجل الحكم وفق منطق توازنات اللحظة الراهنة، فما جرى من تغيير في البلاد منذ يناير 2011 كان الأهم فيه أن الحركة الشعبية أخذت مساحة من المشروعية لا يستطيع أحد سحبها، وأن الحراك السياسي وصل إلى عمق المجتمع وكون ثروة من العقول أنهت حالة الجفاف والتجفيف والتجريف السياسي التي عاشتها البلاد في زمن مبارك. والأهم أن الشعب بات موقنا بطبيعة المخاطر التي تتهدد دولته ومؤسساتها وبات موقنا أن التغيير يجب أن يكون شاملا دون هدم الدولة أو مؤسساتها، وهذا هو سبب رد الفعل الاستيعابي لما جرى. بقى أن الحركة الإسلامية وبشكل خاص الإخوان المسلمون باتوا مطالبين بمراجعة عميقة ودقيقة وشاملة.