13 سبتمبر 2025

تسجيل

قِمَمٌ ثلاثٌ.. عِجاف !؟

05 يونيو 2019

شُغِلَ الرأيُّ العام الخليجي والعربي والإسلامي – خلال الأسبوع الماضي – بثلاثِ قِمَم في مكة المكرمة، وحفلت الفضائياتُ بتغطياتٍ وتحليلاتٍ حول قرارات هذه القِمَم، وأهميتها، وفاعليتها، في ظل الواقع السياسي الراهن الذي تعيشه الأقاليمُ الثلاثة، الخليجية والعربية والإسلامية !. ولقد استحوذت القمتان ( الخليجية والعربية) على نصيب الأسد، في الهجوم على إيران، ولكأنَّ منطقة الخليج والمنطقة العربية قد خلت من المُعْضلات والمُنغِّصات، ولم تبق إلّا إيران، لذلك جاء بيانُ القمة الخليجية الطارئة مُديناً للهجمات « التي قامت بها المليشيات الحوثية، باستخدامها طائرات مُسيّرة مُفخخة، استهدفت محطتي ضخٍّ في محافظة (الدوادمي) و(عفيف) بمنطقة الرياض، وتوالت عبارات الهجوم على إيران. المُثير في بيان قمة التعاون، الفقرة التي تقول: « وأكد البيان على قوة وتماسك ومَنَعةِ مجلس التعاون ووحدة الصف بين أعضائه... لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك، ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها»!؟ هذه العبارات هدَمت كُلَّ أهداف القمة المذكورة، وكشفت « عورةَ التعاون « بشكلٍ واضح. فإين تماسك ومَنَعة مجلس التعاون ؟ وهل الجالسون في القمة « خُشُبٌ مُسنّدة»؟ وهل هم لا يدركون مدى « هشاشة» مجلس التعاون، ومدى التلاعب بالألفاظ، ومدى التنافر الذي بدا على وجوه رؤساء الوفود، ما يُنبئ عن وجود جروحٍ غائرةٍ في جسد التعاون، ومنه فرضُ ثلاثِ دول أعضاء في المجلس حصارًا ضد دولة قطر، وصَلَ إلى نهاية عامه الثاني! ولم تلح في الأفق أيةُ بادرة لحل موضوع الخلاف المُفتَعل، خصوصًا وأن قادة التعاون ومَن يُمثلهم، يجتمعون بجوار بيت الله الحرام، وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان! ولقد مثّل دولة قطر في الاجتماع معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وهو تمثيل أكبر من تمثيل بعض الدول الحاضرة. ولكن يبدو أن الحديث عن قوة وتماسك ووحدة مجلس التعاون أصبح من الروايات القديمة، التي ما عاد العقل الخليجي يستوعبها، على شاكلة (توب توب يا بحر)!؟ نقول إن القمة الخليجية بدلاً من أن تقدِّم حلولاً للمأزق اليمني الذي دخلته دولُ التحالف، وتُنقذ الشعبَ اليمني، الذي عانى لثلاث سنوات، قصفًا بالطائرات، وجوعاً بالحصار، وأمراضًا فاتكة لنقص الدواء، كان بحاجة إلى مشروع حضاري يُلجم الطائرات، ويُسكت المدافع، وهو ليس بحاجة إلى « إدانة هجمات الحوثي» وغيرها من العبارات التي لا تُقدّم ولا تُؤَخر !. ولو كان مجلس التعاون يحرص على راحة وكرامة شعوبه، لكان سعى لأن يخفف على الشعوب مشقة السفر من وإلى قطر، وعمل على جبر أواصر العائلة الواحدة التي تشتّت بفعل الحصار، ولكان رقَّ قلبه للخسائر التي مُنيّ بها تجار الخليج جرّاء ذلك الحصار. قمة التعاون تناست كُلَّ دول الخليج، وآمال شعوبها، وركَّزت على هجمات الحوثيين، كما هاجمت إيران، وهذا كان هدفَ القمة من الأساس، وهو دون طموح شعوب المنطقة، ودون وحدة الصف وتماسك المجلس، ومَنَعة مجلس التعاون !. أما القمة العربية، فلقد ركّز بيانُها الختامي - في تسعة بنود – على إيرانّ؟ ولكأنَّ الحضور العربي ليس لديه ما يقوله عن الوحدة والتضامن العربي، ولكأنَّ الشعوب العربية غير حاضرة في مكة المكرمة !. صحيح أن القمة العربية - في سطرين - قد ذكَرت فلسطين ( أكدت أهمية تمسكها بقرارات القمة العربية الـ 29 في الظهران، والقمة الـ 30 في تونس)، لكن مساحةَ البيان قد احتلّهُ الموضوع ُالإيراني بشكل واضح، الأمر، الذي لا يغيب عن بال المُراقب من أن القمة من الأساس كانت قد تمت هيكلتُها لتأييد المملكة العربية السعودية ضد إيران !؟ كما أن القمة العربية حضر فيها «النفاق السياسي» Political Hypocrite، والذي تمثّل في دعوة المُمثل الرسمي لليبيا، بينما بعضُ الدول تدعم غريمَه (حفتر) الذي تضرب مدافعهُ طرابلس !؟ وهذا ما سبب خفض مستوى التمثيل الليبي في القمة العربية، كنوع من الاحتجاج على الموقف العربي مما يحدث في ليبيا. ونخلص إلى أن هدف القمتين (الخليجية والعربية) كان التنديد بإيران ووصفها بأنها تُعرّض السلم والأمن الدوليين للخطر، وهذا كلام ليس بجديد، ولقد سمعناهُ منذ الحرب العراقية الإيرانية. الجديد الذي كُنا نودُّ سماعه هو: هل كُلُّ الدول العربية موافقة على بيان القمة الخليجية والقمة العربية ؟ أعتقد بأن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر، خصوصًا وأن الشعوب العربية قد تجاوزت مرحلة الإعلام التقليدي الرأسيّ، وأصبحت مرتبطة بالإنترنت، التي لا يُهيمن عليها « دهاقنة» الرقابة في البلدان المُسيّجة بالخوف والذعر وزوار الليل، وسجون الـ 5 نجوم!؟ والغريب أن وزير الخارجية الأمريكية (ما يك بومبيو) يُصرّح – قبل الأمس – أن «الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع إيران دون شروط مسبقة! «. فهل القمة العربية، وعداءاتها لإيران أكبر من القرار الأمريكي ؟! نأتي إلى القمة الإسلامية، والتي تَعبَت فيها السكرتاريا حتى تضع 102 قرار!؟ ولعل أهم ما جاء فيها ما تعلق بالقضية الفلسطينية، وقضية القدس، وكانت لهجة البيان حاسمة ودقيقة، نقرأ في البند الثاني: « أكد المؤتمر رفضه وإدانته بأشدّ العبارات لأي قرار غير قانوني، وغير مسؤول، يعترف بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، واعتبره لاغيًا وباطلًا، ويشكّل اعتداءً على الحقوق التاريخية والقانونية والوطنية للشعب الفلسطيني وللأمة الإسلامية «... ودعا البيان الدولَ التي نقلت سفاراتها أو فتحت مكاتبَ تجارية في المدينة المقدسة إلى التراجع عن هذه الخطوة، باعتبارها انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي والشرعية الدولية...... وجاء في البند الثالث: « رفض المؤتمر المقترح للتسوية السلمية، لأنه لا يتوافق ولا ينسجم مع الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني». وما عدا هذا، فإن بيان مؤتمر القمة الإسلامية قد حفل ( كما سبقت الإشارة، بمائة واثنين من البنود) كلها عن عبارات وتمنيات، بدءًا بدعم اليمن وليبيا والصومال، وحتى شعب جامو وكشمير وشعب الروهينغا المسلم !؟ لا نود أن نتباكى على اللبن المسكوب، فكم من ضِرعٍ لنا نالته سهامُ «البسوس»، ولأن جميع شعوب الدول الخليجية والعربية والإسلامية يدركون المخاطر المُحدِقة بهم، ولكنني - حتى لحظة نشر هذا المقال - لم يصلني من أن الرئيس الأمريكي قد» ارتعدت فرائصهُ»، وأعلنَ التراجعَ عن قراره المُثير بنقل سفارة بلاده إلى القدس !؟ بل إن ما وصلني هو رفضٌ إيراني لبيانيّ القمة العربية والخليجية، مُعتَبرة إيرانُ ما جاء بهما « اتهامات باطلة»!؟ وقال المتحدثُ باسم الخارجية الإيرانية (عباس موسوي) « إن جهود السعودية لحشد الجيران والدول العربية، استمرارٌ لمسار فاشل للسياسات الأمريكية والإسرائيلية ضد طهران»... وتابعَ: « إن السعودية، وبدلاً من الاستفادة من فرصة يوم القدس العالمي، لمتابعة تحقيق الحقوق الفلسطينية، اتخذت توجهًا خاطئًا لإيجاد الخلاف بين الدول الإسلامية، وفي المنطقة، وهذا ما يُريدهُ الكيانُ الصهيوني»!. وفي عالم ينحو نحو الحوار، ورفضِ التلاسن ومبرراتِ المواجهة العسكرية، لم تلتفت رئاسة القمة لملاحظة الرئيس العراقي (برهم صالح) الذي دعا إلى حوار مع الجمهورية الإيرانية، حيث اعتبر أن الاستقرار الأمني لإيران (مهمٌّ) للدول العربية أيضًا». كان الاستعجال بإنهاء القمة باديًا على المنصّة، فلم يتم الالتفاتُ إلى رأي العراق، وبرأينا أن برتوكولات القمم، تُحتّم أن يرد الأمين العام على ملاحظة أي عضو، دون أن يلجأ إلى ( لَكْوَتَة) الموضوع، أي لم يعرهُ أي اهتمام !؟ وكنت أتمنى أن أقرأ أفكارَ الرئيس الباكستاني (عمران خان)، في البيان الختامي، لأنه قال كلامًا مهمًا حول النهوض بالأمة الإسلامية، ولكنَّ قلوبَ الحاضرين بعيدة عن ذلك. ثلاثُ قِمَم « عِجافٌ» لم تكن على مستوى الطموح الخليجي أو العربي أو الإسلامي، مجردَ تسجيلِ موقف مؤيد لهذا الطرف، دون أن تكون هنالك معارضة! كثيرون خرجوا من القِمَم الثلاث وهم يرددِّون بدواخلهم « انتهى الدرس يا غبيَ»!!؟ هامش: تحفّظت دولةُ قطر على بيانيّ القمة الخليجية والعربية لأنه لم يتم التشاور مع الدول الأعضاء بشأنهما، وكان الهدفَ الأساسي فرضُ إملاءات، دون أخذ رأيِّ الدول، وهذا مُخالفٌ لبروتوكولات الأمانة العامة لمجلس التعاون والأمانة العامة لجامعة الدول العربيةّ. [email protected]