17 سبتمبر 2025

تسجيل

سنة أولى حصار

05 يونيو 2018

انتهى عامل كامل على الحصار الذي فرضته أربع دول عربية شقيقة ، ثلاث منها أعضاء أسست قطر معها مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، هي (المملكة العربية السعودية ، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين) ، وانضمت إليها جمهورية مصر العربية العضو – مع قطر – في جامعة الدول العربية ، حاضنة العرب ، وجامعتهم على الخير والتعاون والمحبة! وفي هذه المناسبة ، لا نريد التأسّيَ على المواقف غير الأخوية التي صدرت من دول الحصار بحق دولة قطر والشعب القطري، فلقد تناولناها خلال عام كامل، ولكننا في هذه الذكرى " المشئومة" يحقُّ لنا أن نتساءل: ماذا كسبت دول الحصار من هذا الحصار، إن لم تكن قد خسرت؟ ثم ماذا استفادت شعوب هذه الدول من حصار القطريين ، إن لم تكن قد خسرت؟ ثم لماذا أخفت دول الحصار الأسباب الرئيسية لفرض الحصار – عن شعوبها – وعن الرأي العام؟ وعوّلت على شريط "مكذوب" عن حديث لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى ، وفي مناسبة لم يتعود الرأي العام من سموه أن يلقي فيه ذاك الحديث. وتجلّت الحقيقة بعد فترة بأن حقيقة الحصار تتمثل في تغيير النظام في دولة قطر ، وهذا ما كشفت عنه التحقيقات والاعترافات من قبل بعض المشاركين في ذلك. نحن في دولة قطر قبلنا التحدي بـ (حضارية الاختلاف) ، ووَجّه سمو الأمير بأهمية تناول موضوع الحصار بلغة حضارية ، وعدم التعرض للرموز وعائلاتهم – كما حدث مع وسائل الإعلام في دول الحصار – حفاظاً على التاريخ المشترك والقيم الحضارية التي نشأ عليها الشعب القطري. ورغم هجوم عشرات الفضائيات ، وبكلام غوغائي غير مهني وغير أخلاقي على دولة قطر ورموزها وحرماتها ، إلا أن الإعلام القطري حافظ على مهنيته ولم ينزلق، لما آلَ إليه إعلامُ دول الحصار، كون القائمين على الإعلام القطري هم قطريون ، وغيرُ مُستأجّرين ، ويدركون تقلبات الدهر ، ومآلات المستقبل ، ويحترمون مهنتهم . لذا، حافظ هذا الإعلام على اتزانه ووقاره، حتى بعد مرور الثمانية أشهر الأولى من الحصار، حيث فاض الكيل، وتنوعت أساليب الأكاذيب والفبركات غير المسؤولة، ولكأن العالم في حلبة " مصارعة الثيران"، وكلهم يريدون موت (الماتادور)!؟ وبعد ذلك بدأ الإعلام القطري يقارع الادعاءات بالحجج والوثائق، وأيضاً بالمانشيتات الحمراء ، وبذلك خسرت دول الحصار – التي اعتمدت "الردح الإعلامي المستورد من إحدى الدول العربية – وكسب الإعلام القطري الرهان، بالمواجهة، وبظهور المسؤولين في هذا الإعلام، بدءًا من حضرة صاحب السمو الأمير ، ومعالي رئيس مجلس الوزراء ، والوزراء المختصين. ولم يقبع حضرة صاحب السمو - في قصره -خشية  من شيء خلال الحصار، كما فعل المُرجفون ، بل طاف العالم شرقاً وغرباً يوطد دعائم العلاقات بين بلاده ودول العالم ، وأوصل قضية بلاده إلى منبر الأمم المتحدة، في خطاب اتسم بالموضوعية والود والأخلاقية. كان التعويلُ على سقوط الجبهة الداخلية حاضرًا في أذهان من قاموا بالحصار، وهو تعويلٌ هشّ ، لم يدرس الشخصية القطرية ، ولم يدرك نوعية الدم الذي يجري في العروق القطرية ، والذي يربط جميع أبناء الشعب القطري ، مع قيادته ، فظهر سمو الأمير ( أيقونة ) وطنية ، وملأ قلوب الشعب حباً وإخلاصاً، من الأطفال حتى الشيوخ والعجائز اللاتي انحنى سموه يقبّل رؤوسهن عند استقباله بعد رحلة خارجية . كما برزت صور (تميم المجد) حتى اليوم في كل أنحاء قطر، وأصبح كل القطريين والمقيمين حماةً للأمن والاستقرار في البلاد، في الوقت الذي ماجت عواصمُ دول الحصار بالعديد من الثوران والانفجارات ، والاعتقالات غير المبررة ضد المواطنين، وتم فتح السجون للمطالبين بالحريات ، وتم الزجّ بالعشرات دون تهم ، سوى حالات "الاشتباه" التي سادت المنطقة ، خصوصاً مع تورط دول التحالف في حرب لم تُحسم حتى اليوم. وأدى ذاك التلاحم مع القيادة إلى وقوف الجيش القطري وقوات الأمن مع رغبة الشعب القطري، في الالتفاف حول قيادته، ما أوجد حالة من الإيمان لدى جميع أفراد الشعب القطري والمقيمين ، بأن البقاء مع قطر وتميم، وإلا فلا!. على الجانب الاقتصادي ، والذي عوّلت عليه دول الحصار، بأنّ مضايقة قطر ، ومنع الاستيراد سوف يُضرم تذمّراً لدى المواطنين والمقيمين ، ولسوف يؤدي إلى فوضى في البلاد!؟ ولكن إدارة الإرادة السياسية في البلاد هيأت الأسباب لمنع ذلك، خصوصاً بعد أن سدّت المملكة العربية السعودية المنافذ البرية على دولة قطر، حيث تدخل من هذه المنافذ المنتجات والأدوية والآلات وغيرها ونشطت الدبلوماسية الاقتصادية لفتح مسارات جديدة لدخول البضائع بحراً ، استعاضة عن طريق البر، وبذلك لم يشعر المواطنون ولا المقيمون بأي نقص في المواد التموينية، ولا في الأدوية ولا حتى في الكماليات الأخرى! وفي هذا الصدد، تسابق القطريون لفتح قنوات ومخارج للمواد التموينية ، وقامت البنوك المحلية بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب، الذي بدأ إنتاجهم الزراعي يدخل الأسواق القطرية قبل حلول الذكرى الأولى للحصار، وبذلك انخفضت أسعار الخضار والفواكه والألبان إلى أدنى مستوياتها، وهذا ما أسقط الرهان الآخر الذي حاولت دول الحصار ركوبه ، فكبا جوادهُ وتعثر. بل وجاءت دولة قطر الخامسة عالميًا في الأداء الاقتصادي، رغم الحصار. الحصار أوجد حالة قطرية غير مسبوقة ، تمثلت في تجديد الرؤية نحو مستقبل قطري دون مجلس التعاون ، بعد أن حلّت الخيبات في أروقة هذا المجلس، وأثبت أنه فقط (مجلس شيوخ لا مجلس شعوب)! وبرزت الشخصية القطرية المستقلة والمفكرة والمنتجة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً!. وأعتقد أن من وضع صورة (تميم المجد) على سيارته أصبح أكثر اتزاناً ، وهذا ما يجب أن يكون عليه ، فالصورة هي صورة، لكن المفهوم أكبر وأعمق. للأسف، تقطّعت أواصر الأُسر الخليجية بفعل الحصار، وتأذّت شعوب الخليج من فرض هذا الحصار، بل وحصل انشقاق بين مفاهيم الأسر والقبائل ، وعوّل بعضها على الاحتماء بالقبيلة دون الوطن ، كما حصل في دول الحصار، وهذا مفهوم مغلوط لا ينمّ عن عقل أو اتزان. وساهم فرض قوانين ضد التعاطف مع دولة قطر أو أهل قطر، في تعميق الانشقاق والكراهية ، حيث تصل جزاءات تلك " الجريمة " إلى نصف مليون ريال والسجن خمس وعشر سنوات !؟ في الوقت الذي " هرولت" فيه بعض هذه الدول نحو إسرائيل ، والتقى بعض زعمائها تحت جنح الظلام وفي وضح النهار، بل ووصل الأمر ببعض المفكرين والكتّاب فيها إلى منح إسرائيل حق الوجود ، خصوصاً في ذكرى النكبة السبعين!  هكذا يفتحون الصدور لإسرائيل عدوة العرب ، ويغلقون الأمخاخ والقلوب عن دولة قطر.  نعم، لقد تأذت الأُسر الخليجية التي لها أقارب وأبناء عمومة وخؤولة في دولة قطر، ووصل الأمر بكثيرين أنهم خافوا حضور جنائز أقاربهم في الدوحة ، والعكس. بل – وبشوفينية خادعة – تبادل أفراد الأُسر من الشباب، غير المدرك للحقائق على وسائق التواصل الاجتماعي – عداءات وصور لا وجوب لها ، ودخل بعض أفراد الشعب الخليجي في " مهاترات" ما كان لها أن تتم ، لولا فرض القوة والترهيب في دول الحصار، ما أشاع مناخاً من الخوف بين فئات المجتمع في دول الحصار، الذي أخذ ينظر إلى الشعب القطري نظرة توجس وحيرة، بعد أن كان هذا الشعب خير صحبة ، وخير ودٍ وتعاون لدول وأهل الخليج كافة. ولقد رأت دول الحصار في خيرات قطر "غنيمة" لا بد من الإغارة عليها؛ فأطلقت المطالب الثلاثة عشر، وتبعتها بالمبادئ الستة ، على الطريقة " الهولاكية" ، ولكأننا نعيش في غابة ، يأكل كبيرُها صغيرَها، ويستأسدُ قويُها على ضعيفِها!؟ وصمدت دولة قطر ضد تلك المطالب، حتى انتهى مفعولها خلال عشرة أيام ، كما نصّ على ذلك البند الثاني عشر من تلك المبادئ المُخجلة!؟ وهي للأسف ، ليست مبادئ، لأن المبادئ تقوم على النزاهة والرقي والخير. لقد نشطت الدبلوماسية القطرية ممثلة بسعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ، وأصبح الرجل يعيش أكثر ساعات حياته إما في الطائرات وإما في الغربة ، من أجل توضيح الموقف، وكشف الغموض الذي يكتنفه، في ظل توظيف دول الحصار مليارات الدولارات لشيطنة دولة قطر، وإظهارها في مظهر " المتعاون" مع الإرهاب، لكن حصافة الدبلوماسية القطرية كسبت الرهان ، وأقنعت العالم بسلامة الموقف القطري، وصلابة الجبهة الداخلية، وحزم الشعب القطري والمقيمين على أرض قطر، على الوقوف خلف القيادة ، حتى في أعتى الظروف. مئات من طلبة قطر تخرّجوا من الجامعات والكليات المتخصصة في عام الحصار! مئات من الكيلومترات تم شقّها في الصحراء من أجل توسعة شبكة النقل والمواصلات في عام الحصار! ميناء حمد استقبل الحاوية رقم مليون في عام الحصار، لم يتوقف تمدد طيران القطرية – رغم الحصار الجوي – إلى كافة بقاع العالم في عام الحصار! وقبل أيام تم افتتاح محطة تحلية ( أم الحول ) – التي تُعتبر من أكبر محطات التحلية في منطقة الخليج العربي - لتوفير الماء لمواطني ومقيمي قطر في عام الحصار! حركة العمران لم تتوقف ، الريال القطري لم يتأثر، مكتبة قطر الوطنية تحتفي بالكتاب رقم مليون الذي أودعه صاحب السمو الأمير المفدى في المكتبة ، البنى التحتية لمونديال 2022 لم تتوقف ليل نهار، المستشفيات تتوسع، والوظائف تتعدد، والوافدون يتزايدون على بلد الأمان بحثًا عن الأمان، في عام الحصار!؟ فما الذي يُغيظ دول الحصار؟ دعونا نعيش حالتنا القطرية كيفما نشاء ، ودعوا شعوبكم تعيش كيفما تشاء!؟