11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأخوة الأعداء

05 يونيو 2018

بلغة الأرقام، لا يمكن لدولة مثل قطر بواقعها الجغرافي والسكاني والمالي أن تنجح في الصمود أمام الحصار الذي نمر به الآن أكثر من ثلاثة أيام قبل أن تنهار الدولة أو تدب فيها الفوضى، لكننا ولله الحمد نكمل اليوم عاماً من الانتصار، عاما من صناعة نموذج قطري خالص في الصمود والتكاتف. لقد من الله علينا في هذا الحصار أن حصدنا العديد من المكتسبات، لكنه أيضا منحنا في هذه الأزمة "أعداءً جهلة" لم يقرأوا التاريخ، ولم يتعلموا منه. إننا اليوم لا نحتفل بذكرى سنوية، لأن ما حدث خلال هذا العام من دول الحصار على كافة المستويات يتطلب العزاء على ما أوصلت إليه أمتنا عندما أدخلت قطر والأمة في هذه المراهقة السياسية التي أفقدت خليجنا وأمتنا العربية آخر باب من الاحترام الدولي كمجموعة.  لكن من حقنا أن نحتفي، بجهود أهل قطر طوال عام، صمودهم وتكاتفهم، صبر الأسر التي تفرقت، صبر الأرحام التي قطعت، صبر القلوب التي حرمت مكة والمدينة، الحج والعمرة، صبر التجار الذين خسروا تجارتهم، والأفراد الذين خسروا ممتلكاتهم، والقلب الذي كسر في كل مواطن قطري من أخوة له. إن العام الذي قضيناه جميعاً؛ أفراداً ومؤسسات، حمل الكثير من قصص النجاح، وحمل قرارات تاريخية تساهم في نهضة البلاد ورفاهية أهلها، وقد كان الحذر من الخطأ عالياً جداً، وإن وقع فإنه جزء من الاجتهاد الطارئ المحمود، وقد اطلعت شخصياً على جهود العديد من الذين لعبوا أدواراً بطولية خلف الكواليس، اتخذوا قرارات تحت الضغط، ونفذوا التعليمات بحذافيرها وسط الكثير من العقبات، خاصة الأيام الأولى من الحصار. لقد حققنا الكثير من المكتسبات في هذا الحصار على كافة المستويات، سواء على مستوى ما قدمه قائد البلاد من قرارات داعمة للصمود والتنمية أو ما حققته الحكومة من إنجازات من خلال وزاراتها ومؤسساتها. لكن في تطلعنا للمستقبل وبناء الدولة وفق ظروفها الجديدة علينا أن نتجاوز التقليدية، وعلينا أن نضمن التوازي في العمل على كافة المستويات، فإن كانت القيادة مثلاً قدمت دعماً لا محدوداً للقطاع الاقتصادي والاستثماري، فإن على بقية المؤسسات ألا ترى هذا الدعم بالمنظار الضيق وتعتقد أن الأمر محصور في وزارة الاقتصاد والتجارة، بل عليها أن تعي أن واجبها المشاركة في خلق ما يساهم في توفير ما يدعم نجاح هذه القرارات، مثل خلق البيئة الاستثمارية المناسبة فيما يتعلق بالمباني والطرق والخدمات ورفع كفاءة الخدمات المصاحبة للعمليات التجارية المعنية بها مؤسسات أخرى، وهكذا، على كل أطراف قواعد الحكومة أن تعمل وفق منظومة تعاونية تربط الجميع بتوفير ما يلزم لنجاح الآخر كل في اختصاصه. يظن الكثيرون أن التحدي الأكبر في الساعات الأولى من الحصار كان في توفير المواد الغذائية فقط، لكن الحقيقة أننا كنا نعيش تحدي توفير كل متطلبات الحياة اليومية؛ مواد استهلاكية، أدوية، حاجات ضرورية، ومواد قد تؤثر على قطاعات حيوية مثل الكهرباء والطاقة والبناء والمستشفيات. دعوني أكشف لكم سراً، هل كانت الأزمة صادمة لنا ؟ نعم، هل تفاجأنا بها ؟ نعم، هل كانت خارج توقعاتنا ؟ لا. إن الدول التي تعمل على بناء مستقبلها هي التي تستفيد من دروس الماضي، ومن أهم دروس الماضي أن الغدر كان يأتينا دائما من ثلاثي الحصار، ولعل مجموعة الإجراءات وخطط الطوارئ التي فعّلت لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة تدريب وعمل وحذر من وقوع مثل هذه الكارثة من "الأشقاء"، الأمر الوحيد الذي جعلها كالصدمة هو التوقيت فقط، فلم يكن أحد يتوقع أن يدشن الملك سلمان بن عبدالعزيز عهده معنا بهذا الشكل. نعيش في واقع جيوسياسي يفرض علينا التعايش مع من يحيك لنا المؤامرات المتتالية بين فترة وأخرى، ونعيش في واقع اجتماعي يفرض علينا أن نتصالح معهم، ونعزز صلة الرحم بهم، ولا نساهم كما فعلوا في قطع أواصر القرابة والمحبة، لكن الواقع الحقيقي الذي فرضه غدرهم هو أنهم سيبقون حتى وإن تم الصلح . . الأخوة الأعداء.