10 سبتمبر 2025
تسجيلهل يستطيع الإنسان عندما يقرر أن ينسى أحداثاً كثيرة مرت في حياته أن ينفذ قراره؟ وهل يستطيع لمجرد هذا القرار أن يلغي مساحات من الماضي؟ أشك في ذلك. من الصعب جداً أن نقرر متى نتذكر ومتى ننسى، بل أحياناً لا نتذكر إلا ما نريد أن ننساه، ولاننسى إلا ما نريد أن نتذكره. فقد يستطيع الإنسان أن يتحكم في حركة يده أو وجهه أو جسمه الكبير كله، لكنه يعجز عن التحكم في ذاكرته الصغيرة التي تحمل أرشيف حياته، ماضيه وحاضره. والتي لا يستطيع أن يرمي من أوراقها أو يعدمها أويخفيها، ويتركها لمرور الأيام والزمن الذي يكون غالباً كفيلاً بدفن الكثير من صفحاتها. ولا شك أن النسيان نعمة عظيمة على الإنسان لما قد يسببه الاستسلام لبعض الذكرى من آلام للنفس، وصعوبة في الاستمرار، والتعايش مع الواقع. وجميل أن يستطيع الإنسان أن يسدل ستائر النسيان السميكة الداكنة، على أشياء لا يحب أن يسترجعها، لأسباب كثيرة، رغبة منه أن يلغيها من ذاكرته. وقد يتفق الجميع على فائدة نعمة النسيان العظيمة للإنسان، إلا أنني كثيراً ما اعتقدت بأهمية أن يعتاد الإنسان بين فترة وأخرى أن يجلس لحظات مع نفسه قليلاً، ويفتح ستائر النسيان المسدلة، ليلقي نظرة على الماضي مهما كانت قسوته، فنحن في حاجة لتذكر الكثير مما مضى، كي نتعلم الكثير لما هو آت. نحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى بعض مواقف الضعف في حياتنا، والتي استغلها البعض ضدنا، مخلفاً لنا جروحاً كبيرة، حتى نستمد منها القوة، ونتجنب أن نقف موقف الضعيف أبداً. ونحن في حاجة أن نستعيد ذكرى كل ما ندمنا عليه، من أخطاء ارتكبناها في حق أنفسنا، أو في حق الآخرين، حتى نتخذ منها العبرة التي تجعلنا لا نكرر نفس هذه الأخطاء، ولكي تذكرنا بأن علينا ألا ننسى أن نستغفر الله كثيراً. ونحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى الصدمات التي أصابتنا، بسبب سوء تقديرنا واختيارنا، لنتعلم أن نفكر كثيراً، وأن نتمهل قليلاً قبل أن نختار. ونحن في حاجة لأن نتذكر أياماً مضت، ونستعيد وجوهاً غالية رحلت وغابت، لا لنذرف دمعة وفاء فقط، وإنما شكراً وامتناناً لما أورثونا من تجاربهم، التي تعلمنا منها الكثير، ولنتذكر أن ندعو لهم كثيراً بالرحمة والمغفرة. ونحن في حاجة لنفتح هذه الستائر حتى نتذكر كيف كنا؟ وما هي حقيقتنا التي نخفيها؟ ونتذكر كل ما مر علينا من ضعف، حتى وصلنا لما نحن فيه من قوة، كي لا تسول لنا أنفسنا أن نترفع على غيرنا، وننظر لهم من أعلى. ونحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى كل الهموم والآلام التي مضت، لنشعر بطعم ما نحن فيه الآن من سعادة، ولنتذكر أن نحمد الله كثيراً على كل شيء. ولكل ذلك وغير ذلك، فلا بأس من فتح ستائر النسيان قليلاً، ولا بأس من أشعة قد نشعر بعدها بحرقة تأتينا من ذكريات، كنا نحب أن ننساها، ترسل الضوء على حياتنا، فتبعث لنا النور الذي يجعلنا نبصر جيداً بعده، ونرى الأشياء بوضوح، وتمد عظامنا بالقوة التي تجعلنا أصلب في مواجهة الكثير من محن الحياة وتجاربها. لنتوقف قليلاً، وللحظات، ونفتح ستائر النسيان.