24 سبتمبر 2025
تسجيللو لم يكن لربيع الثورات العربية من حسنة إلا أن كشف زيف دعاوى النظام السوري، وحقيقة الأوصاف الكاذبة الخاطئة التي كان يخلعها على نفسه كالمقاومة والممانعة والمواجهة.. لكثير من الذين خدعوا به من مثقفين وشعوب عربية وإسلامية لكفاه ذلك. كثير من المثقفين والأحزاب السياسية العربية بما فيها الحركات الإسلامية كانوا مخدوعين بالحاكم الأب ثم الابن ( حافظ وبشار الأسد)، كحاضن للمقاومة، وبخاصة حماس والجهاد الإسلامي، وكداعم لحزب الله بلبنان في مقاومة الاحتلال، وكنا عبثا نحاول تجلية الصورة، على محورين : الأول أن المقاومة والممانعة ليست موقفا أصيلا لدى هذا النظام، وإنما ورقة سياسية يتاجر فيها، لتحسين قوته في المحيط الإقليمي وشروط التعامل معه، وابتزاز من يستطيع عربيا ودوليا، ولو كان جادا لاجتهد في استعادة أراضيه من خلال تحريك جيشه الذي طالما تغنى بعدد أفراده وعديد تسليحه، أو سمح للمقاومة الفلسطينية أو السورية لاستعادتها، ونقصد بذلك هضبة الجولان. والآخر أن نظاما ديكتاتوريا يصادر حرية شعبه ويقمع تطلعاته في الحرية واستعادة كرامته المسلوبة، ومقاومته للظلم الواقع عليه منذ عقود، لا يمكن أن يكون أداة لتحرير البلاد والأرض والعرض والحق السليب، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن الشعوب المقموعة المنتهكة الكرامة، لا تقف في المواقف الحاسمة إلى جانب حكامها حتى لو كانوا صادقين في نواياهم ومقاصدهم ـ والنظام السوري ليس منهم ـ لأن هذه هي سنن الله والتاريخ والحياة. نقول هذا الكلام فيما تمر بالثورة السورية التي يستبسل شبابها وأهلها ضد جلاديهم اليوم، ويتحدون مجازرهم بالمظاهرات والإضرابات والاحتجاجات الشعبية الآخذة بالازدياد والاتساع، رغم مضي حوالي ستة عشر شهرا، تمر بها هذا الأسبوع ذكرى مؤلمة ألا وهي الذكرى الخامسة والأربعين لاحتلال هضبة الجولان في الخامس من يونيو 1967، من قبل الكيان الصهيوني، حيث يعتبر هذا النظام ( نظام الأب والابن ) مسؤولا مسؤولية كاملة عن سقوط هذه القلعة الاستراتيجية المهمة بيد الصهاينة، حيث كان الأب ( حافظ الأسد ) وزيرا للدفاع لحظة الاحتلال، ثم رئيسا لسوريا لثلاثة عقود دون يقدم على جهد جدي لاستعادتها، ثم جاء الابن ( بشار الأسد ) فلم يكن أحسن حالا من أبيه، فبقي المحتل محتلا، وأمن إسرائيل في الحفظ والصون، وأمن البلاد (الجمهورية العربية السورية) عرضة للتهديد والاختراق. وللتذكير فقد استولت إسرائيل على 1158 كيلو مترا مربعا من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كيلو مترا مربعا، حيث أضافت الجولان لإسرائيل عمقا دفاعيا تأكد به إبعاد الخطر المباشر عن مناطقها الشمالية الحيوية الآهلة بالسكان، وجعل القوات الإسرائيلية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور القنيطرة دمشق، وكذلك عبر محاور حوران. ذكرى احتلال الجولان وبخاصة في ظل الثورة السورية تكشف أوراق هذا النظام وتعريه أمام الشارعين العربي والإسلامي، فكيف يستقيم حديثه عن حالة المقاومة والممانعة التي يتبجح بها ليل نهار، في ما لا يحرك ساكنا تجاه بقعة مهمة محتلة ذات أهمية جيوسياسية من أرضه، وكيف ينعم الكيان الصهيوني بأفضل حالات الأمن والأمان طيلة خمسة وأربعين عاما، بينما يكون الوطن وأمنه وعاصمته تحت رحمة الصهاينة، وكيف تخترق طائراته جدار الصوت وتحلق فوق القصر الجمهوري لبشار، وتدمر منشأة نووية سورية ـ وإن كانت في البدايات ـ ويكون جواب النظام دائما أنه يحتفظ بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ويقتل مجاهدين فلسطينيين، دون أن يحرك أيا من دبابات ومدرعات أو طائرات أو بوارج جيشه، فيما تظهر كل بطولاته ويستخدم كافة أسلحته في قمع انتفاضة شعبه، أين كانت هذه الشجاعة المختفية والقوة التي غابت عن إسرائيل؟! ولمصلحة من؟! وكما انكشف أمر النظام السوري انكشف حزب الله الذي يتبع ولاية الفقيه بإيران في دعمه للنظام السوري القاتل للأطفال والأبرياء، وخسر كل أوراقه في المنطقة العربية رغم الشعبية الكاسحة التي كان يتمتع بها، لأن ورقة المقاومة التي طالما تغزل بها اتضح أنها ليست سوى ورقة للمتاجرة من أجل خدمة النظامين السوري والإيراني، وإن كانا أو كان أحدهما على الأقل على خطأ، أو وقفا أو وقف أحد منهما ضد تطلعات شعبه، وخدمة المشاريع الطائفية الضيقة لكليهما، والتي باتت تفوح روائحها المنتنة من تصريحات مسؤوليهما في البلدين وتصريحات مسؤولي حزب الله في تناغم واضح. في حين أدركت حركة مقاومة أصيلة كحركة حماس حقيقة الثورة السورية، فنصحت النظام السوري لكي يتعامل مع شعبه بطريقة مختلفة، ولما فشلت في ذلك، أعلنت انحيازها وتأييدها لخيار الشعب السوري الثائر، وفضلت الانسحاب من الأرض السورية على أن تخضع لابتزاز النظام السوري أو تكون شاهدة زور على جرائمه الوحشية. الحمد لله الذي شهدنا تغير الصورة الذهنية الخاطئة في أذهان كثير من المثقفين والشعوب العربية عن النظام السوري، والتي لم تكن لتتغير لولا الثورة السورية المباركة، أما من بقي على تأييده لهذا النظام فهم إما مَصْلَحيون منتفعون مثله، أو ذوو أجندات طائفية ضيقة، ربطوا مصيرهم بمصيره الآيل إلى خسران وزوال بحول الله.