12 سبتمبر 2025

تسجيل

المقومات الجماعية للدولة الإسلامية

05 يونيو 2012

الفرد منتظم في أسرة ومجتمع، والمجتمع الذي لا يطغى على الفرد، كانت هاتان النقطتان محور حديثنا في المقالين السابقين حين تكلمنا عن المقومات الجماعية للأمة الإسلامية، ومن المقومات الجماعية أيضا لهذا الدين: ثالثاً- الدولة المقيمة للدين ثالث المقومات الجماعية للحضارة الإسلامية هو الدولة المقيمة للدين، فليس للدولة في الحضارة الإسلامية أن تختار نوع الحكم الذي تحكم به، لأنها مطالبة بتحكيم شريعة الله تعالى، والدولة التي ترفض التشريع الإسلامي، ليست دولة إسلامية، لأن الذي يجب أن يُحَكَّم هو شرع الله تعالى، فدور الدولة في الحضارة الإسلامية هو إقامة شرع الله تعالى، والحكم بما أنزل رب العالمين، وقد حسم القرآن هذه المسألة، ولم يترك فيها مجالاً للاجتهاد، فقال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب/36 دولة دينية أم مدنية تُعتبر إقامة الشريعة وسياسة الناس بهذه الشريعة، أحد المهام الرئيسة للدولة في الإسلام، فحضارة الإسلام حضارة دينية، أي إن الدين أحد مقوماتها الرئيسة، والسؤال الذي يطرح نفسه، وأثار جدلاً بين العلماء والمفكرين، هل نحن دولة دينية..؟ إذا كان يُقصد بالدولة الدينية كما في الغرب، أن يحكم الخليفة باسم الله ويهتدي بوحي الله وأنه معصوم، فقطعاً – بهذه الصورة - لسنا دولة دينية، لكن في الوقت نفسه لدينا نصوص شرعية فوق الدستور، وبالنسبة لنا فهذه النصوص هي المرجعية الإسلامية المعتبرة، ومن هنا وقع إشكال كبير بين العلماء والمفكرين، وحتى لا أطيل في الإجابة والرد، أرى أننا يجب أن نكون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. لا اجتهاد في مورد النص حتى نزيل أي إشكال نقول من باب التوضيح: إن أيّ قضية أو مسألة فيها نص صريح، أو حصل عليها إجماع مثبت فلا تمس، وليس من حق أي حزب أو حاكم - يصل إلى الحكم - أن يناقش حكمها الشرعي، بهدف التبديل والتغيير، لأنها مسألة ثابتة بالنص والإجماع، لذا فهي فوق الدستور، وعليه فإن مجال الحوار هو المسائل التي لا نصّ فيها، وليس عليها إجماع. فمثلاً: نص الإسلام على أن الزنا حرام، وحدّد عقوبة لمن يرتكب الفاحشة، فلا يجوز لبرلمان أن يشرّع قانوناً يبيح الزنا الذي يقع بالتراضي، أو يُسقط العقوبة لأجل إسقاط الحق الشخصي أو لأنه كان بالتراضي، لأن الله حكم وقضى في هذه الجريمة، ويجب أن نسلم بحكم الله تعالى، ونطبّق شريعته وحدوده إن كنا مسلمين مؤمنين (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب/36 دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية هكذا هي رؤيتي للدولة المستقبلية في الحضارة الإسلامية، دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، دولة فيها ترشح، وانتخابات، وبرلمان يشرّع القوانين، ويمكنه تعيين الحاكم وعزله، ويصادق على ميزانيات أجهزة الدولة وغيرها من المهام المناطة به. لكن مهما بلغت مدنية الدولة، فهناك قضايا ومسائل فوق الدستور، بل إن كل دولة مدنية فيها قوانين فوق الدستور، حتى تلك الدول الغربية التي تحكم بالقوانين الوضعية، ففي فرنسا –مثلاً - الديمقراطية فوق الدستور، لذا لا يمكن للبرلمان أو لأغلبية فيه أن تلغي الديمقراطية، كذلك لا يمكن للبرلمان أن يلغي " اللائكية "وهي أقصى درجات العلمانية في فرنسا، باعتبارها الضامنة للوحدة الاجتماعية والسياسية والحارسة للهوية العامة للفرنسيين، فلو حصل حزب " مسيحي " على الأغلبية في البرلمان لا يستطيع أن يلغي العلمانية من فرنسا، لأن العلمانية فوق الدستور. رابعاً- شورى محكومة بالنص أنا أؤمن بالشورى والتعددية، والتي قد يسميها البعض بـ " الديمقراطية " وأؤمن بحق الأفراد في الترشح والانتخاب والوصول إلى البرلمان، وأؤمن كذلك بالحوار والنقاش والشورى حول كل القضايا والمسائل، التي لا نصّ عليها ولا إجماع، ولا تعتبر من القطعيات والثوابت التي لا تتغير ولا تتبدل. ولطالما كانت الشورى إحدى دعائم الحضارة الإسلامية، وهي ليست شورى مطلقة، بل محكومة بالدين، ومضبطة بالنص الشرعي، ومقيدة بحالات وأحوال معينة، فلا يجوز باسم الشورى أو الديمقراطية، إصدار قانون يبيح الخمر ويشرّع لها، حتى لو كان هذا رأي الأغلبية، لأن حرمة الخمر ثبتت بنص شرعي قطعي، ولا مجال للاجتهاد فيه. منافع الشورى للشورى منافع وبركات وآثار إيجابية منها: - أن القرار الفردي أقرب للخطأ، بينما القرار الشوري الجماعي أقرب للرشد والصواب. - اشتراك الأمة في مزاولة السلطة، مما يجعل الناس يهتمون بأمر الدولة، - الارتفاع باهتمامات الأمة، من خلال إشراكهم في التفكير واتخاذ القرارات في قضاياهم. - الشورى تحول دون استبداد الحاكم وطغيانه، وتفرّده بالسلطة والحكم. - الشورى تدعم الوحدة الوطنية، من خلال الدعوة إلى الحوار الهادف البناء. - الشورى تكشف لنا عن الطاقات والكفاءات والقدرات والعقول المبدعة. - الشورى تعطي قوة تنفيذية للقرار، لأنه يصدر عن أغلبية وبعد حوار وتفاعل كل الأطراف.