01 نوفمبر 2025

تسجيل

مساع دولية لاحتواء تأثيرات التغير المناخي

05 يونيو 2012

بات التغير المناخي وتأثيره على أوجه النشاط الاقتصادي قضية دولية مؤرقة، لتشعب المشكلات الناجمة عنه، ولتباطؤ الحلول العلمية في التصدي لغضب الطبيعة. يقصد بالتغير المناخي هو التأثير الصناعي على مكونات البيئة من ثروات زراعية وحيوانية ومائية، وهي الارتفاع في معدلات الحرارة والرطوبة وسخونة جوف الأرض وتساقط الأمطار والرياح إلى جانب الأنشطة الإنسانية في المصانع والمنشآت التي أصبحت خطراً على الجو. وكلما ازداد النشاط البشري في الصناعة والتعدين والتجارة والصيد تغيرت الأنماط المناخية مثل درجات الحرارة وسرعة الرياح وزيادة كمية المتساقطات، ولعل الإنسان وإهماله في الحفاظ على البيئة ومخلفات الصناعة والمصانع هو الأثر الأكبر على إمكانية الاستفادة منها بشكل أمثل. ففي دراسة حول التغير المناخي بينت أنّ الظواهر الجوية العنيفة خلال العقد الماضي وارتفاع درجات الحرارة والسيول والفيضانات والتغيرات الفلكية التي شاهدناها خلال السنوات العشر الماضية كانت سبباً في تفاقم تلك التأثيرات. وفي استعراض تحليلي فإنّ "10%" من اليابسة تشهد تغيراً في فصول السنة مقارنة بـ"0.1%" في التسعينيات، ويعتبر العام 2011 هو الأشد حرارة وفقاً للأرصاد الجوية العالمية، وشهدت الولايات المتحدة الأمريكية "14" ظاهرة مناخية تسببت في خسائر بشرية واقتصادية قدرت بأكثر من مليار دولار. كما أشارت تقارير أوروبية إلى أنّ كل ارتفاع قدره "10%" في الرطوبة يقابله "2.7%" زيادة في معدلات الأمراض. ولا تتوقف التأثيرات عند الوضع الراهن إنما تشير التوقعات المستقبلية وفق أحدث التقارير أن مابين"75ـ250"مليون شخص في القارة الإفريقية سيواجهون نقص المياه في 2020 وانخفاض الزراعة التي تعتمد على الأمطار بنسبة "50%"، وأنّ "30%" من النباتات والفصائل الحيوانية مهددة بالانقراض في حال ارتفاع حرارة الأرض بمعدل "2.5"درجة. ويهدد التغير المناخي "10" مناطق في العالم وأبرزها المحميات الطبيعية والغابات والكتل الجليدية حيث ستعاني تلك المناطق في حالة عدم اتخاذ خطوات فاعلة من أجل المساندة من التعرض لعوامل التعرية والتصحر والجفاف والعواصف والفيضانات وانتشار الأمراض والآفات. ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى زيادة متنامية لظاهرة الاحتباس الحراري على البشرية والتي فاقمت من المصاعب الاقتصادية، فالكوارث الطبيعية كلفت العالم "60"مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، وفي تقرير نشر مؤخرا حول الاحتباس في القطب الشمالي قدر الخبراء تأثيراتها بأنها تكشف سنوياً عن مساحة "46"ألف كم2 من المناطق المغطاة بالجليد، وأنه من المتوقع أن يرفع انبعاثات الغازات من النفط والوقود الخسائر المالية إلى "20%" بحلول 2080. إزاء هذه البيانات المقلقة تنبه العالم إلى ضرورة تسريع الجهود لاحتواء تفاقم ظاهرة المناخ المتقلب، وتسعى المنظمات الأممية إلى صياغة مواثيق دولية بشأن تقليل الانبعاثات الضارة من المصانع والمنشآت وخفض الإنتاج في الآبار ومراكز التكرير، إلا أنّ البعض يلمح إلى إمكانية ظهور بطالة صناعية وارتفاع تكلفة الطاقة في المنازل وعدم إيجاد مصادر بديلة للدخل وبالتالي التأثير على البيئة بكل مكوناتها التي حبانا الله إياها. وبرؤية خليجية أكثر واقعية فإنّ دول مجلس التعاون الخليجي بدأت مبكراً في الانضمام إلى المعاهدات الدولية التي تدرس حلول المناخ والاحتباس والتغير المناخي والتصحر والجفاف، ولعل دول المنطقة الأكثر تعرضاً للتأثيرات المناخية بحكم أجواء الطقس والموقع الجغرافي وازدياد الانبعاثات والغازات لكونها مناطق صناعية وإنتاجية وتحوي في باطنها العديد من الثروات النفطية والطاقة والمعادن. لقد ساندت الحكومات الخليجية كافة الجهود الدولية التي تعكف على دراسة التأثيرات المناخية والاحتباس الحراري والانبعاثات، وأنشأت لذلك العديد من المراكز البحثية ودراسات الطاقة والجو والغاز. ولا يفوتني هنا أن أشيد بدور دولة قطر في مساندة مساعي الدول النامية للتكيف مع التأثيرات المناخية، باعتبارها رئيسة منظمة التجارة والتنمية "الأونكتاد" للسنوات الأربع القادمة، حيث ستعقد قمة المناخ في نهاية العام الجاري بمشاركة خبراء وأوراق عمل فاعلة. وترتكز الجهود الخليجية بما فيها دولتنا على الحد من الانبعاثات الكربونية التي تنجم عن المصانع ومراكز تكرير النفط ومنافذ الطاقة، وهي تسعى إلى إحداث توازن بين السير قدماً في إنجازات نوعية للطاقة والصناعة في السوق العالمي وبين تقليل المخاطر بقدر الإمكان دون الإخلال بتقديرات الإنتاج. ففي دولة قطر مثلاً.. تخطى الإنتاج السنوي من الطاقة "77" مليون طن.. وتمّ افتتاح مدن جديدة للصناعة وأجريت توسعات في القطاع النفطي والإنشائي، ونحن مقبلون على زخم عمراني في الطرق والسكك الحديدية والملاعب والمنشآت الرياضية، وهذا يتطلب معه المزيد من استخدام تفاعلات الطاقة والكهرباء والمياه. ومن هذا المنطلق فإنّ الدولة تركز جهودها على النهوض بالتنمية الصناعية في مقابل ترسيخ مبادئ استدامة الطاقة التي تتوافق مع البيئة النظيفة والمستقرة أيضاً.