20 سبتمبر 2025
تسجيللدينا ظاهرة ثقافية سائدة في حياتنا العربية اسمها "المنتصر المهزوم"، قدرة فائقة على تحويل الهزيمة الى نصر مع قليل من الزخم الاعلامي الرخيص واستعارة فجة من تاريخ اللغة الممتلئ بعبارات مثل خسرنا جولة ولم نخسر المعركة، لم يسقط الرمز، انتصرنا لولا خيانة البعض من الاهل وذوي القربى، وما الى ذلك تبريراً لهزيمة واضحة. الإشكالية الكبرى حين نحتفل بالهزيمة وكأنها نصر. صدام احتفل بالنصر في حربه مع ايران بعد ان تدخل العالم لوقف الزحف الايراني الكثيف وتهديده المباشر لإسقاط نظامه، وعلى المستوى الفردي نحتفل بمن لم ينتصر في معارك الدبلوماسية او الثقافة، تحت عناوين كثيرة منها كان سينتصر لكن لم يحالفه الحظ، كان متقدماً لولا تخاذل اشقائنا في العروبة والدين في نصره، تبريرات كثيرة، تنفق بسخاء داخل المجتمع تجعل من المنهزم منتصراً وتفضح ثقافة عرجاء لا يشفع لها النصر ولا تبررها الهزيمة. سيولة في المفاهيم تكشف عن نفاق مجتمعي لا يبني عقلاً سليماً ولا ارادة واضحة لها القدرة على التصميم بقدر قدرتها على التبرير، وتفقد المجتمع فضيلتين عظيمتين وهما فضيلة الاعتراف وفضيلة الاعتذار، حيث طمسا طمساً من خلال قدرة قاموسنا اللغوي في التلاعب بالالفاظ واستعداد العقل الجمعي للتسوية دون مقابل. الاعتراف بالهزيمة انتصار على ماضيها، وتحويرها وتجييرها الى نصر استنقاع في براثنها، اليابان لم تصبح ورشة العالم لولا اعترافها بالهزيمة، ألمانيا لم تصبح قائدة اوروبا لولا اعترافها بالهزيمة، ديغول، تشرشل، امثلة عظيمة تدل على عظمة الاعتراف وعظمة اصحابه، تسويق الهزيمة على انها نصر يخلق مجتمعاً يتكل على الاستعارة من الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، وتسويق المنهزم على أنه منتصر يخلق بطلاً من ورق، ويوجد شقاً طولياً في بنية المجتمع الثقافية يجعل من القدرة على التبرير مرتكزاً خطيراً لجميع الافعال. ثقافتنا ارتبطت بنسق لا تستطيع معه انفكاكاً وهي ما تعاني منه اليوم مجتمعاتنا التقليدية، وهو اصالة الوضع الاجتماعي واعتبارية الانسان، بمعنى أن وضعك الاجتماعي يحدد مقدار انسانيتك، لذلك مفاهيم مثل الاصالة، القبيلة، الطائفة، العائلة، القوة، المنتصر، مفاهيم سوبر يجب الانتماء اليها بشكل او بآخر وبأي وسيلة وحيلة والا ستعيش في بؤرة النسيان والغفلة وربما الاحتقار، ومن هنا تضخم قاموس التبرير والكذب والتزوير، على حساب الاعتبار والأخذ بالأسباب. [email protected]