11 سبتمبر 2025

تسجيل

الفلوجة..العار يطارد الجميع

05 أبريل 2016

لم يشهد العالم كارثة أخلاقية وإنسانية كما يشهدها العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم يسمع عن حصار للمدنيين لتطويع الحركات المسلحة أو تركيع الأهالي في المدن والبلدات الثائرة كما شهدناه في المناطق السنية بالعراق وفي مناطق أخرى من سوريا، وتلك الإجرامية والخارجة على منطق البشر ترقى إلى جرائم إبادة جماعية يرعاها النظامان الحاكمان في العراق وسوريا، ويغلفها الجُبن والتأصل البربري للمنطق الطائفي المدعوم من إيران، وإذ نربأ بأنفسنا عن الحديث بمنطق الطائفية والإقليمية، نجد أنه لزاما علينا أن نرفع الصوت عاليا لرفع الحصار الذي تضربه ما تسمى قوات الحشد الشعبي بقيادة مرجعيات طائفية، عن مدينة الفلوجة العراقية السنية، بهدف الثأر وتركيع عشائر السنّة.قبل عام وشهر من اليوم وفي اجتماعنا مع الملك عبد الله الثاني، نحت الملك مصطلح "سنستان"، بتأكيد على حماية المدنيين السنة في العراق من الخطر المحدق بهم جرّاء الغزو الداعشي وسيطرته على بعض مناطقهم من جهة ورد الفعل من جهات أخرى تطال حرماتهم وحقوقهم الأساسية، اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا، والسبب حسب الملك هو ظهور المكونات السياسية الأخرى بوضوح، فكردستان وما يتبعها هي مناطق آمنة للعراقيين الأكراد، و"شيعستان" المثلث الجنوبي من العاصمة بغداد هي مناطق آمنة للمكون العراقي الشيعي، بينما المناطق الأخرى للسنة العرب لا بواكي لها ولا تنطبق عليها سياسة الحماية من جهاز الدولة أو الاتفاقات الدولية، وكان من الأولى الاعتراف بهم على أساس المواطنة، دون تمييز أو إنكار أو إقصاء، أو حصار عقابي.إن ما يجري على مدينة الفلوجة من حصار وحشي، هو عقاب جماعي ضد المدنيين ليس له علاقة بالحرب ضد الإرهاب، ولكن الذين يشاركون بحرب التجويع وقطع الإمدادات الغذائية والطبية والمائية عن المدينة، يعيدون تكرار ذات الإجراءات التي كانت قد قامت بها قوات علي المجيد في ظل نظام الرئيس السابق صدام حسين حينما قامت مناطق الجنوب بمحاولة الثورة على النظام، وكما حدث مع بلدة الدجيل التي حاول البعض فيها اغتيال صدام حسين، ولكن الفرق أن علي الكيماوي عندما قصف المناطق الكردية في حلبجة والسليمانية وغيرها كان يعاقب الثائرين والمتآمرين مع إيران، ولكن أهل الفلوجة وقعوا ضحية فكي الصراع الطائفي، داعش والميليشيات المدعومة من إيران، تحت صمت حكومة العبادي والأمم المتحدة.لقد عانت مدينة الفلوجة ذات الحصار والترويع والقصف الممنهج في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ولأكثر من ثلاث سنوات، تحت ذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى يده نشأت نواة الميليشيات العسكرية الطائفية، وقد زرع خلال حكمه لثماني سنوات شبكة معقدة من الزعامات الفاسدة التي تستغل الرعاع والعاطلين والمنحرفين، لإقامة جيوش غير نظامية داخل الدولة العراقية لمعاقبة إخوانهم من أبناء السنة في المناطق المحاذية للعاصمة بغداد وكربلاء، ما دفع أخيرا بأبناء العشائر إلى الخروج جميعهم في اعتصامات شهدها العالم، وشهد قصف قوات المالكي لها، ما نتج عنه خلع المالكي والإتيان بحيدر العبادي الذي يحاول أن يظهر الوجه الحسن بلا طائل.قبل أربع عشرة عاما من اليوم أقيم المستشفى الميداني الأردني في مدينة الفلوجة، وذلك بعد أشهر من عمليات القتل والترويع التي تعرض لها الأهالي هناك على يد ميليشيات الشيعة، وبعد عام من تاريخ إنشائه وتحديدا في 10\4\2004 توجهت طلائع القوافل من المساعدات الأردنية قوامها 20 شاحنة محملة بالأغذية والمساعدات الطبية والعلاجات وكافة المستلزمات التي تحتاجها الأسر وأطفالها إلى الفلوجة ولا تزال، ومنذ ذلك التاريخ والمدينة تذبح كلما سنحت الفرصة للقتلة، ولم يكن ذنب أهلها أن تنظيم داعش سيطر عليها في السنتين الأخيرتين لعدم وجود قوة للحكومة المركزية فيها، رغم أنها أقرب مدن محافظة الأنبار للعاصمة بغداد، ومع هذا لم يتحرك أحد من الدول العربية ولا التحالف العالمي لإنقاذ ومساعدة مئات الآلاف من البشر المحاصرين والمُقتّلين كل يوم، من داعش السنة ومن داعش الشيعة أيضا.إن العار يطارد الجميع للأسف، ليس للمجرمين وحدهم، ولكن لكل من يصمت على جرائمهم، فأخيرا رفعت الهيئات الإسلامية صوتها لمناشدة الناس لإغاثة المدنيين في الفلوجة، واتهم مركز جنيف للعدالة الأمم المتحدة بأنها شريك بالجريمة وذلك بصمتها عما يجري على المدينة، فيما أصدرت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي بيانا أكدت فيه استنكارها لتأخر قوات الأمن العراقية بفك الحصار عن المدينة التي يعاني مائة ألف من النساء والأطفال والشيوخ من الموت جوعا ومرضا، والعالم الذي يتعاطف القطط لا يلتفت إلى سنة العراق، فهل ستبقى الدول العربية المجاورة صامتة على جرائم النظام الإيراني وميليشياته ضد أبناء السنة في العراق حتى آخر طفل فيهم؟