10 سبتمبر 2025

تسجيل

الدرع الصاروخية وطبول الحرب في الخليج

05 أبريل 2012

 اجتمع هذا الأسبوع وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الرياض لإطلاق منتدى التعاون الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، ولكن أعمال الاجتماع قد صاحبتها أجندة غريبة لم تألفها شعوب الخليج وهي مقترح نصب الدرع الصاروخية الذي تعتزم الولايات المتحدة نشره على أراضي منطقة الخليج في مواجهة الخطر الإيراني. وفي أول رد فعل إيراني على مشروع كلينتون الأمني، أكد رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني علاء الدين بروجردي، أن طرح مشروع الدرع الصاروخية في الخليج موضوع مثير للتوتر. وأشار بروجردي في حديث صحفي، إلى لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية مع العاهل السعودي، وقال: "إن أمريكا ومنذ سنوات ومن خلال خداع دول المنطقة، وتصوير إيران بأنها خطر على منطقة الشرق الأوسط، تقوم بابتزاز دول المنطقة، حيث تقيم العديد من القواعد العسكرية في المنطقة"، مضيفا، أن "أمريكا قامت خلال السنوات الماضية ومن خلال خدعة التخويف من إيران وإثارة الرعب في المنطقة، ببيع كميات ضخمة من أسلحتها". وقال بروجردي: "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستبدي ردا حازما ومناسبا حيال أي إجراء يتعارض مع مصالحها الوطنية". إلا أنه وفي الوقت نفسه أكد أن اقتراح نشر الدرع الصاروخية في السعودية إنما هو على صعيد الكلام، ولا بد أن يمر بمراحل عديدة من أجل تطبيقه على أرض الواقع. ولا يبدو أن الهدف من وراء المقترح الأمريكي من نصب هذه الدرع الصاروخية يتعلق بأخلاقيات العالم المتحضر - ممثلا في أمريكا - الرامية لحماية شعب الخليج وبنيته التحتية من الخطوات الإيرانية الجادة لتطوير سلاح نووي، بقدر ما يتعلق أولا وأخيرا بمصالح الولايات المتحدة متمثلة في مشاريع النفط الخليجي. وأمريكا التي لا يهمها سوى مصالحها الاقتصادية التي يتمحور الجزء الأكبر منها حول نفط الخليج، وكذلك مصالحها السياسية التي لن تستطيع التخلي عنها حتى لو أدى ذلك لأن تصب الزيت على النار في منطقة الخليج والشرق الأوسط، من خلال بناء هذه الدرع الصاروخية المقترحة، وبالتالي جر دول الخليج إلى حرب بالوكالة ضد إيران، دون أن تكون لدول الخليج في هذه الحرب المفتعلة ناقة ولا جمل، لم ولن تكون من ضمن أهدافها يوما حماية الإنسان الخليجي، ولن يهمها أمر شعب الخليج، وإن احترق جميع الشعب بنيران الحرب، فإن جل ما يهم أمريكا هو: ألا تحترق آبار نفط الخليج. أبدت إيران تحفظها أيضا على قرار الحكومة التركية بإقامة رادارات تابعة لمنظومة الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها العام الماضي، تماما مثلما فعلت روسيا. ووقتها، وحسب بعض المواقع الإخبارية، فإن سكان قرية "كوراجيك" التركية خرجوا في تظاهرات احتجاجية للتعبير عن قلقهم الشديد ورفضهم لإقامة المنظومة الصاروخية في منطقتهم، وأوضح المتظاهرون "أن نظام الرادارات الجديد ستكون له مشاكل كثيرة تتعلق بالبيئة وصحة السكان والاستقرار في المنطقة". وكذلك تظاهر عشرات الآلاف من الأتراك في العاصمة التركية أنقرة، وطالب المشاركون وقتئذ بتحويل ميزانية المنظومة الصاروخية إلى قطاع التعليم، كما رددوا في شعاراتهم: "لا نريد أن نكون درعا لإسرائيل" و"لا نريد الدرع الصاروخية". ولا يكاد يختلف اثنان على مدى خطورة هذا المشروع الأمريكي خاصة بعد تكشف أبعاد الأهداف الحقيقية للمشروع من خلال محاولات الولايات المتحدة لضرب عصفورين بحجر واحد: الحصول على نفط الخليج بأقل الأسعار، والتكسب ماديا ببضعة مليارات من خلال بيع مشروع الدرع الصاروخية لدول الخليج بأعلى الأسعار. ويقضي مشروع الدرع الصاروخية التي تعتزم الولايات المتحدة نشرها في الخليج، بإنشاء المضادات الصاروخية وربطها بأنظمة رادارية للإنذار المبكر التي قد يتم نشرها على مساحة ما في منطقة الخليج، في حال موافقة دول المجلس على ذلك‏.‏ فلقد أضحى مفهوم (أمن الطاقة) أحد المفاهيم الأمنية الأساسية التي تتبناها الولايات المتحدة ضمن سياستها الخارجية، ولذلك باتت العديد من المناطق التي تتميز بوفرة مصادر الطاقة فيها، مناطق صراع حقيقي، وبالطبع فإن منطقة الخليج العربي تأتي على رأس القائمة. ولقد تناول البروفيسور "كليفورد سينجر" ـ أستاذ الهندسة النووية وعالم الطاقة، والذي عمل سابقا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية - في دراسة له بعنوان " النفط والأمن"، دور النفط في العمليات العسكرية للدول العظمى والنشاط الاقتصادي العام. وحسب دراسة "سينجر"، فقد أعلن الرئيس الأسبق كارتر في أحد خطاباته في 1980، أن أي محاولة من القوى الخارجية للسيطرة على الخليج ستمثل تهديداً للمصلحة الأمريكية، والذي يستدعي التدخل بالقوة لحماية المصلحة الأمريكية، و"بالتالي" حماية دول منطقة الخليج من التدخل الخارجي (وكان يقصد بالقوى الخارجية في حينه، الاتحاد السوفييتي السابق)، كذلك كان لدى إدارتي كارتر وريجان خوف من قوى إقليمية ساعية إلى السيطرة على الخليج، لاسيَّما إيران الراغبة في لعب دور محوري في منطقة الخليج والسيطرة على منابعه النفطية. وتلك كانت أيضا أولوية لإدارة كلينتون حيث تضمنت وثيقة الأمن القومي في عام 1996 أن أي تهديد لمنطقة الخليج العربي يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية، مما يتطلب معه استخدام القوة المسلحة. ولا ننس مقولة الرئيس نيكسون الشهيرة والهامة جدا التي ذكرها في مذكراته التي كتبها سنة 1983 - صفحة 105 - "أصبحت الآن مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً للسيطرة على ما في العالم". وعليه، فإنه من المهم جدا التأكيد على أن نصب درع صاروخية في منطقة الخليج، حتى وإن كان لغرض دفاعي، إلا أنه سيدفع كل دول الخليج مجددا إلى جبهة الحرب الباردة، إضافة إلى أن مشروع الدرع الصاروخية سيعرقل علاقات دول الخليج مع إيران وروسيا والصين، الذين سيجدون في هذه الدرع تهديدا لأمنهم، بجانب الكثير من المشاكل مع بعض الدول المجاورة. ودول الخليج العربية في غِنى عن كل هذه المخاطر والمغامرات، فلماذا تحاول الولايات المتحدة أن تفرض علينا إستراتيجيتها الملوثة بهدف أن نكون مدعاة للفتنة والحروب بعد أن ظللنا لقرون مضت دعاة للمحبة والسلام؟ ولماذا لا يكون حل معضلة الطموح النووي الإيراني ضمن أجندة السياسة الخارجية لدول الخليج؟ فنحن لا نرغب أن نكون مستهدفين بالصواريخ الإيرانية من أجل عيون أمريكا وحماية حلف الناتو‏.‏ وهناك سؤال هام أيضا ربما يتبادر بقوة إلى أذهاننا، وهو أنه حتى وإن وافقت دول الخليج على هذا المشروع، فهل يحق لها أن تستخدم هذه الدرع الصاروخية لصد أي هجوم محتمل آخر من أي دولة أخرى غير إيران؟ وعلى سبيل المثال إسرائيل! فلذلك نحن لا نريد للمنطقة الخليجية أن تكون على فوهة بركان، ولا نريدها أن تتحول إلى ساحة حرب، أو شاشة عرض يعاد فيها مسلسل الصراعات القديمة، ولقد وقعت إيران قبل عدة أيام اتفاقا أمنيا مع روسيا، ربما كرد فعل على مشروع الدرع الصاروخية في الخليج، مما ينذر برياح مشبعة بغيوم الخطر تتخللها أجواء الحرب الباردة. فبعد تداعيات الثورات العربية، أصبحت كل من روسيا والولايات المتحدة تتنافسان بشدة على مصالحهما في دول الربيع العربي، فتخسر أمريكا سوريا وتكسب ليبيا، وهكذا.. وكأن التاريخ يتهيأ لكي يعيد نفسه. ومن هذا المنطلق أكد معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية، أن دولة قطر تعارض أي ضربة عسكرية لإيران، كما ترفض تماما استخدام قاعدة العديد لشن هجوم عسكري على الجمهورية الإسلامية. وأضاف، في لقاء مع برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة الأسبوع الماضي، أن الإيرانيين والأمريكيين "يعلمون موقف قطر الرافض لأي عمل عسكري ضد إيران"، إضافة إلى "أننا لن نقبل أي عمل عدائي ضد إيران من قطر". ويبقى السؤال الملح: هل يرضخ مجلس التعاون للضغوط الأمريكية لنشر منظومة الدرع الصاروخية على أراضي الخليج العربي، أم يرفض المشروع المقترح، للمحافظة على أمن وسلامة شعوبه ومواطنيه في المقام الأول، ثم المحافظة على علاقاته مع جيرانه ثانيا، وأمريكا وروسيا والصين آخرا وليس أخيرا؟ رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]