12 سبتمبر 2025
تسجيلبحر من التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، أجهزة متطورة، وهواتف محمولة تلتقط الصور الثابتة والمتحركة وتمحوها في ثوان، وهذا التطور وهذه التكنولوجيا هي الريح التي تهب اليوم، ونحن لا نستطيع أبداً أن نسبح عكس اتجاه الريح. غلبت على حياتنا المشاعر الباردة والجمود رغماً عنا، فمسيرة الحياة تحركنا نحو اتجاهها حيث تشاء، وتجرفنا معها، ومضينا ونسينا معها أشياءنا الصغيرة العزيزة. كنا نجتمع في جلسة عائلية حميمية فطلت علينا أمي من غرفتها وألقت علينا ألبوم الصور القديم وقالت: كنت احتفظ به ولم يعد له مكان عندي فقد ضاقت الغرفة بالأشياء. فالتقطناه وتقاذفناه كل يريد البدء بفتح صفحاته قبل الآخر، وبعد الضجيج والصخب ساد الصمت وتشاركنا فتح الصفحات، وفي لحظة أخذتنا الصور بعيداً بعيداً.. صور كثيرة تجمع كل مراحل أعمارنا منذ الطفولة، وتوالت الكلمات، أتذكرون هذه الصورة عندما كنت في السابعة من عمري؟ وهذه الصورة التقطها لنا ابن الجيران، وأين هذا المكان وبيت من؟ ومن هذه التي تقف في آخر الصف، لا أصدق كم كنت نحيفة، ومازلت أذكر هذا الفستان الأخضر، وهذه ابنة جيراننا القدامى تزوجت صغيرة وانقطعت أخبارها، وهذه صورة جدتي الحبيبة رحمها الله وأمامها دلة القهوة التي لا تفارقها أبدا، كم احتوتنا وكم كانت حنونة، وهذا بيت جارتنا الطيبة كيف كانت لتتحمل شقاوتنا؟ وهذه صورة أخي الغالي الذي رحل شاباً يقف أمام بابنا في الشارع القديم، كم كان جميلا ووسيما، وهذا ابن عمي الراحل لعبنا معاً وكنا أصدقاء، وهذه صورة أبي الراحل الحبيب في صباح يوم العيد، وانهمرت الدموع، دموع الجميع، الكل يبكي فقد مست هذه الصور قلوبنا وقلبت لنا صفحة حية من الماضي وامتلأت المناديل بالدموع وتناثرت هنا وهناك، فخرجت أمي من غرفتها ففهمت ما نحن فيه ورددت: هذه هي الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهدأ الجميع واستمررنا في تقليب صفحات الألبوم، ومن هذا في هذه الصورة؟ إنه صاحب الدكان، يا ترى أين هو الآن؟ ما زلت أذكر لون قميصه وجوربه الممزق الذي لا يغيره أبداً، وهذه الصورة لجارتنا تلك السيدة الغامضة، كان أبناؤها مثيرين للضحك، أتذكرين هذا الفستان وهذا الحذاء؟ لا أصدق كيف كنا نلبس هذا، ياله من مضحك.. وتوالت الصور وتوالت الضحكات ووصلنا إلى ضحك هيستيري وعلت الأصوات وعم الضجيج وخرجت أمي من غرفتها مهرولة ونظرت إلينا وهي تردد باستغراب: ما هذا الجنون؟! وتزيدنا كلماتها إثارة وضحكاً، وانتهينا من تقليب الصفحات. إنه لشيء غريب، ماذا فعل بنا استعراض تلك الصور، وكيف تحكم في أمزجتنا، وهل هذا ألبوم للصور أم ألبوم الحياة؟ وما هذا التشابه الغريب؟ هما متشابهان تماماً ويشتركان في كل الانفعالات من فرح وبكاء، دموع وابتسامات ومشاعر لاتنتهي، وحياة كاملة نقلبها في صفحات. ولا تكاد تخلو كل البيوت من ألبوم صور في مكان ما، في الخزانة أو في مكان يعلوه الغبار. دعوة لتذكر ألبوم الصور القديم، ولنحافظ عليه.. لنحافظ على صفحات الحياة فإنها من أثمن الأشياء. (وعندما رحلت أمي، ورحل أبي، ورحل من رحل من الأعزاء، كان هناك ألف سبب للاحتفاظ بألبوم الصور..). [email protected]