17 سبتمبر 2025
تسجيلوقطر تحتفي باليوم الوطني للبيئة 26 فبراير، هل تساءل أحدكم لِمَ احتضنت الدوحة المعرض الدولي للبستنة إكسبو 2023 منذ سبتمبر إلى مارس الجاري؟ وهل قمتم بزيارته أو الاستفادة منه أو إفادته ؟ وهل تساءلتم ما معنى «البستنة» ؟ ولِمَ لم يطلق عليه معرض الزراعة؟ لعلّ نظرة إلى شعاره «صحراء خضراء.. بيئة أفضل» تعطينا جزءاً من الإجابة. فقد جاء مناسبا لانعقاده في منطقة صحراوية وهي الأولى التي تستضيف إكسبو مختصا بالبستنة في الشرق الأوسط شاركت فيه أكثر من خمس وسبعين دولة في ثلاث مناطق هي: الدولية، العائلية، والثقافية؛ لرصد الابتكارات وتبادل الخبرات في الز راعة الحديثة والاستدامة، التكنولوجيا والابتكار، الوعي البيئي بهدف مكافحة التصحر وشح المياه، وتقديم الحلول التقنية ودمج التكنولوجيا بالبيئة وأخيراً تحقيق التناغم بين البشر والطبيعة. وما أجمله من تناغم! لم يغيّب عنا ولكننا غبنا عنه! إما بإرادتنا أو بتراخي مؤسساتنا. التناغم هذا أعادني لمصطلح «البستنة» اللغوي والذي يعني الزراعة بدافع التجميل من منطلقات الهواية والنشاط البدني والترويح عن النفس وحب الطبيعة أكثر من الدافع الاقتصادي. وجاء المعرض ليؤكد على المفهوم الأعمق لأنها الحياة التي أُمِرنا أن نغرسها حتى ونحن نموت. وقد قرن تعالى وصفها بحدائق «ذات بهجة»، فتفنن بعضنا في صناعة البهجة لا للعين فحسب بل للروح والجسد في حدائق في شرف منازلهم وأسطحها إذا تعذّر الفناء أو المساحة، بل واجتهد آخرون في دمج أبنائهم مع الطبيعة والتمرّغ في ترابها في بيوتهم وتجربة البذر والري والحصاد. ولكنّها تبقى ثقافة القلّة الواعية! معرض إكسبو رغم أهميته إلا أنّه لم يستطع أن يطلع المجتمع على خطّة محليّة عملية للوصول لأهدافه. كيف؟ أولا: عندما احتفلت قطر باليوم الوطني للبيئة لم نجد الأنشطة الميدانية إلا ما ندر، بل ضجّت منصّات المؤسسات الحكومية بصور لرؤسائها ببيانات صحفية مكتوبة أو مسجلة حول أهمية البيئة وحمايتها وكأننا في خطب عصماء. الصحف كتبت معلّقات في الحوارات أو الندوات التي عقدت في المراكز من أجل بيئة خضراء أو مستدامه والوضع يُنشد المحاورين النزول إلى التربة ما دام الحوار عن حراثة الأرض وخيراتها لا فلسفة البيئة! ثانيا: وقطر تؤسس للبستنة في أضخم حدث في الشرق الأوسط، أين التعليم الحكومي من البستنة والابتكار في الزراعة ؟ في العملية التعليمية، هل سأل أحدكم نفسه لـِــمَ يعيش أبناؤنا بين أروقة الصفوف الجامدة ودفتي الكتب فقط دون خبرات الساحات المفتوحة رغم أنهم يدرسون أهمية الزراعة والبيوت البلاستيكية والمحميّات ودون تحويل الاختبارات إلى تطبيق عملي؟ هذا رغم أنّ جيل آبائنا أخذ العلم إلى جانب خبرات الحياة وهم من بيئات بدوية عرفوا معها الحياة النباتية في قطر وتربية الماشية بل واستخدموا محاصيلها من جراوة وحوّا وملبو.. إلخ.. بينما سقنا وسيق أبناؤنا إلى صفوف جامدة قل كتاتيب كانت تسرق منّا حتّى حصص التربية البدنية. ربما تهتم بعض مدارس اليوم الخاصة لا الحكومية بالزراعة ولكنها تظلّ رهناً على اجتهاد كل مدرسة. وفي التخصص، يؤسفنا أنّ فنونها البستنة متروكة (على البركة) دون وجود» ثانويّة الزراعة والبيئة» أسوة بثانويات «الصناعة والتجارة» أو « التعليم المهني» في وزارة التعليم أو في التخصصية في غيرها مثل «القادة» و»الثانوية العسكرية». هذا رغم وجود بذرة جامعيّة طيبة حاضنة لمثل هذه المخرجات الزراعية المرجوة تفرّدت بها جامعة قطر منذ بواكير إنشائها في «محّطة البحوث الزراعية» التي أقيمت على أرض هبة من الأمير الأب تقدر مساحتها ب 54.3 هكتار، في روضة الفرس شمال قطر، حيث كانت تسمّى «مزرعة جامعة قطر» وكانت وما زالت تعمل على تطوير بحوث الزراعة وتجاربها وتحقيق الاستدامة الغذائية والبيئية وتطوير تكنولوجيا زراعة وري المناطق الجافة بل وتعزيز تجارب المجتمع الزراعية في الزيارات الميدانيّة رغم عدم وجود تخصص الزراعة والبيئة وقتها. لعلّ الملاحظ أن وزاراتنا ( التعليم والتعليم العالي والبلدية والبيئة ) تعيش في عزلة عن التنسيق مع بعضها البعض رغم وضوح أهداف هذا المحور من التنمية البشريّة في رؤية قطر 2030. وهنا لا ننسى أن نذكّر وزارة أخرى عادت للحقيبة مجدّدا بعد آخر تشكيل وهي وزارة الأسرة والتنمية الاجتماعية. وقد تسألون وما شأنها والزراعة؟ هنا يأتي ثالثا: إن من يعمل في مجال ذوي الإعاقة يعلم أنهم أكثر الفئات إبداعا في البيئات المفتوحة والحرفية، حيث نجحت الدول الغربية في وضع أنظمة مدرسية بيئية لهم وللموهوبين كلّ وفق بيئته حتى بيئات الغابات، ورغم أن قطر من أولى دول المنطقة التي أقرّت قانون ذوي الإعاقة الذي نصّ على ضرورة توفير التعليم الحكومي والعالي النوعي لهم فضلا عن توفير فرص العمل التي تتناسب وإعاقاتهم إلا أن مؤسساتها لم تنجح إلى اليوم في تطبيق مخرجات بحوثها التي تؤكد براعة هذه الفئة في الأعمال الحرفية. فهل هو عجز مؤسسي أم تراخٍ قانوني ؟ أم هو انتقاص من حق فئة مهمّشة؟ أم أميّة معرفيّة لمقولة (كلّ ذي عاهة جبّار)؟ هذا رغم أن قطر على المستوى الشعبي غنيّة بمزارع خصصّها أصحابها للزراعة العضوية التي تنافس المستورد جودة وسعرا تلك التي لم تجد الاحتضان والدعم في الأسواق المحليّة إلا بعد «الضارة النافعة» أعني تجربة الحصار. فضلا عن جود مبادرات تعليميّة وتثقيفية شبابية قطرية شخصيّة رائدة قدّمت ولا زالت تقدّم دعما للمزارعين وورشا في البستنة للأطفال انطلاقا من المسؤولية المجتمعيّة كما في سوق المزارعين «تربة» كل سبت. فضلا عن جهود بعض الأسر المثقفة ذاتيا في تدريب أبنائهم من ذوي الإعاقة بتخصيص فناء لشغل وقتهم في فنون الزراعة وضمّهم سطح منزلهم بعد الثانوية حفظا لهم من الاكتئاب والضياع يوم أن عجزت الدولة عنهم في فرص تعليم أو تدريب عالٍ وهي تحوي آلاف الهكتارات من المزارع الحكومية. وقطر تؤسس للابتكار والإبداع من احتضان (إكسبو الدوحة 2023) نطمح ألا يخرج من قطر إلاّ بإقرار نظام تعليمي وتدريبي حرفي وميداني في برامج ومدارس تخصصية مفتوحة تعزّز أهمية البستنة والإنتاج المستدام وتطويع التكنولوجيا بحيث نتجاوز ثقافة الاستهلاك وبرستيج المعارض الدولية كزيارات عابرة، خصوصا واننا في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي أمام تحدّ جديد غيّر مفهوم العلم والعمل وعزّز أهميّة الحرف والمهارات، أضف إلى ذلك أن دولنا صحاري تتطلب ثقافة شعبيّة في الإنتاج المستدام لنعود إلى تخضير وتشجير البوادي والحقول أو حتّى فناء وأسطح منازلنا. الأديب العربي العقّاد يقول: « لا تغني الكتب عن تجارب الحياة « والأديب باولو كويلو يقول: « نحتاج إلى الثقافة البصرية والحقول والصحراء والطبيعة والمزارع، إن النعجة تعلم أشياء أكثر مما في الكتب « فيا خير من ركب المطايا... أفلا ترون أنهم صدقوا ؟