26 أكتوبر 2025

تسجيل

مَهمَّة قطر المُهمَّة!

05 مارس 2020

حينما تم توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان الأفغانية في الدوحة التي كانت وسيطا نزيها للوصول إلى ما أيدته دول العالم ورحبت به، لا سيما وأن هذا الاتفاق أنهى حربا دامت ثمانية عشر عاما من الحرب بين الجانبين، خسرت الولايات المتحدة الأمريكية على إثرها آلافا من جنودها الذين كانت تصل توابيتهم الموشحة بالعلم الأمريكي، على متن الطائرات العسكرية تباعا إلى واشنطن تسبقهم دموع عائلات الجنود وأبنائهم، توقع كثيرون أن تمارس الدوحة ما تجيده عادة وتنجح فيه وهو دور الوساطة الدبلوماسية وتحاول أن تقرب وجهات النظر بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان من جهة أخرى، خصوصا وأن طالبان كانت قد شنت حربا مسعورة على الحكومات الأفغانية الرسمية والمتوالية التي نصبتها واشنطن على سدة الحكم في أفغانستان عقب الإطاحة بحكومة طالبان، وتشريد أعضاء هذه الحركة بين الجبال الأفغانية الشاهقة، واعتبارها حركة متمردة (إرهابية) تحمل أفكارا متطرفة، وبالفعل فقد أعلن بالأمس أن قطر ستقوم بالدور نفسه وستحاول أن تمد جسور حوار بين حكومة أشرف غني والذي فاز مؤخرا بولاية ثانية وبين حركة طالبان كالتي فعلتها بين واشنطن والأخيرة على أرض قطر وبحضور أممي بارك للحكومة القطرية سعيها الدائم لجمع المتخاصمين على أرضها، ومحاولتها رأب الصدع في الخلافات التي تؤثر تأثيرا مباشرا على الشعوب الفقيرة، ولذا بات من مهمة الدوحة القادمة أن تفعل الشيء نفسه لأفغانستان، ليتمكن هذا البلد بعدها أن ينعم بالأمان الذي افتقده منذ ما يقارب العقدين جراء الأحداث التي توالت تباعا عليه، ولكن تبدو هذه المرة أصعب من سابقتها، ليس لأن واشنطن كات طرفا لين المراس ولكن من الصعب عادة أن يتوافق بنو الجلدة الواحدة على ما يعده كل طرف حقا له، بعكس البنود التي سار عليها الاتفاق الأمريكي الطالباني والذي خلص لأن تنهي واشنطن تواجدها على أرض أفغانستان خلال أربعة عشر شهرا تدريجيا لتصبح كابول بعدها خالية من أي عنصر أمريكي يتجول في طرقها وسمائها بحرية بعكس ما سيكون عند الاتفاق بين الجانب الأفغاني الحكومي الرسمي وبين طالبان الأفغانية هي الأخرى، والتي كانت تحكم البلاد قبل التدخل الأمريكي الذي شُن تحت ذريعة تتبع تنظيم القاعدة ورأسها السعودي أسامة بن لادن الذي قُتل بعد دخول الأمريكان أفغانستان بسنوات عدة في عملية سرية ودقيقة للغاية في كابول، ولم يُعرف حتى الآن كيف تخلص الأمريكيون من جثته التي قيل إنها رُميت مقيدة بالسلاسل في بحر عميق مجهول، ولذا فإن المهمة التي قبلت بها قطر ستأخذ وقتا قبل أن تنجح بها بإذن الله، كما هي عادة الدبلوماسية القطرية المتزنة في هذه الأمور، لأن طالبان ستفرض شروطا قد لا تقبل بها الحكومة الأفغانية وبالعكس أيضا، ولعل العامل المشترك الذي سيطغى على هذه الشروط هو تقاسم السلطة، كما هي عادة المتناحرين عليها في أي بلد تظهر فيه معارضة وتتشبث فيها الحكومة بمواقفها التي قد تلين لاحقا وتصبح أكثر مرونة، للوصول إلى اتفاق يمكن أن يكون من صالح البلاد والعباد معا. إذن فالدوحة أمام مهمة صعبة ولكن الثقة الممنوحة لها من قبل العالم ستعطيها دافعا وسببا لتنجح، ليس لأنها تصنع المعجزات في زمن لا يؤمن بهذه القوى الخارقة، ولكن لأن قطر اكتسبت ثقة دولية تجعلها تحسب الأمور كما ينبغي ولا تذهب في توقعاتها لأبعد مما ينبغي أيضا، وهذه الثقة هي ما جعلت قطر اليوم في المقدمة في الوقت الذي كان يتبجح آخرون وأعني (دول الحصار) بأن دولهم كان يمكن أن تكون مسرحا للاتفاق الأمريكي الطالباني كما كانت تروج لهذا صحفهم الصفراء التي تنجح دائما في التغرير بقرائها ومتابعيها، لكنها تفشل في كل مرة بمحاولة حجب شمس الحقيقة بغربال هذا الزيف الذي يتفتت ويذوب أمام حقيقة أن قطر تنجح في مساعيها، لأن أركان دولتها قائمة على الوضوح والشفافية ليس مع شعبها فقط ولكن مع العالم الذي يرى ويسمع ويميز الحق والباطل والطيب من (الخبيث)!. الكلمة الأخيرة تبدو واضحة لكم.. هه؟! [email protected]