30 أكتوبر 2025

تسجيل

من أجل أداء نوعيّ لمؤسسات العمل الإنساني

05 مارس 2015

لا توجد معايير واضحة أو نموذج واضح لتقييم وقياس أداء المؤسسات الإنسانية والاجتماعية والجمعيات ذات النفع العام في العالمين العربي والإسلامي، وقد لا تؤخذ هذه المعايير بعين الاعتبار أو توضع نصب الأعين عند بناء السياسات الإستراتيجية أو وضع الخطط الخاصة بها، كما أن التقييم نفسه قد لا يتمّ فعليا وبصورة جديّة وصارمة من قبل جهات محايدة أو الجهات الإشرافية العليا.ما يتم بشأن التقييم في الغالب يكون شكليّا، ويعتمد على اجتهادات خاصة، ويركّز على معايير كميّة متعارف عليها لا نوعية، وقد يغيب عنه الاهتمام بالجانب الإبداعي وقياس الأثر على المستفيدين أفراداً ومجتمعات، والتركيز على جوانب تسدّ ثغرة أو تهتم بمساحة أو مجالات غفل المجتمع عنها أو قصّروا تجاهها. عملياً في هذا المجال قد تعتبر عديد من مؤسسات النفع العام أنّ من عوامل نجاحها المهني وأداءها المتميز قدرتها التسويقية في رفع مدخولاتها من المتبرعين والشركاء، أو في حجم ما خصصته أو أنفقته في تنفيذ برامج ومشاريع وأنشطة موجّهة للمستفيدين من خدماتها، أو تحقيق الريادة والأرقام القياسية في جانب ما مقارنة بغيرها، أو الحضور الإعلامي.. ولكنها قد تغفل عن أمور أكثر أهميّة.ولعلّ من أهم هذه الأمور في ظني ما يلي: غرس قيم العمل الخيري ونشر ثقافة العمل الإنساني وتوعية الجمهور بأهميتهما، والعمل على استقطاب أكبر كمّ من المتطوعين والمناصرين خصوصا النجوم وأصحاب القدرات، وإشراكهم فعليا لا بروتوكوليا وشكليا في خدمة المجتمع، والإبداع في العمل الإنساني سواء في تصميم وتنفيذ البرامج أو المشاريع أو جهود حشد المناصرة والتأييد والتوعية أو أساليب التسويق، أو إطلاق المبادرات، أو تصميم وتصنيع المنتجات المتصلة بهذا المجال، أو التركيز على التنمية واستدامة العمل، وبناء الفرق المتخصصة، وكيفية صناعة التغيير وقياس أثره على الأفراد والمجتمعات. تقييم الأداء مهمّ جدا لاعتبارات كثيرة أهمها: التأكد من مهنية العمل وحرفية القائمين عليه بعيدا عن العشوائية والارتجال، ولمعرفة الجهات المتميّزة بحقّ، حيث سيكون ذلك مفيدا للمتبرعين والجهات المانحة والشركاء المتوقعين والرعاة من أجل مواصلة دعمهم وزيادة حجمه، وبالتالي زيادة موارد هذه الجهات لتكون قادرة على تنفيذ برامج أكبر والوصول إلى شرائح أوسع، كما يسهم في الحصول على التقدير والاحترام الذي تستحقه من جوائز وتكريمات وأوسمة، والتمييز بين المتميزين بصدق وبين الأدعياء الذين يهتمون بالقشور والمظاهر الخارجية. الإبداع في العمل الإنساني على مستوى البرامج والمشاريع والنماذج والمبادرات والمنتجات والخدمات والأساليب وطرائق العمل، يمنح المؤسسة ذات المقدرة في هذا المجال سمعة طيبة أيضا ويضعها في موضع القدوة والتأسي، حيث تقوم المؤسسات الأخرى بتقليدها، كما يعطيها ميزة تدريب كوادر المؤسسات الحديثة والناشئة، لذا أجدني أكتب غير مرّة للاهتمام بهذا الجانب النوعي والأمور الأخرى التي تصنع فرقا في تقييم الأداء التي تم التنويه بها قبل قليل.في هذا الصدد لابدّ من تثمين البرنامج الوطني لتعزيز القيم لطلاب المدارس ـ سنافي وهبة ريح، الذي تنفذه جمعية قطر الخيرية للعام الرابع على التوالي، لأنه برنامج يحقق أكثر من معيار من المعايير التي اعتبرها تندرج في إطار التميز في الأداء، فهو برنامج تربوي يعزز قيم العمل الإنساني (قيمة هذا العام أنفعهم للناس) بطريقة غير مباشرة، تعتمد على دمج طلبة المدارس بالعمل الإنساني من خلال التنافس في مجالات إبداعية متعددة كالمسرح والمعرض الفني والمدوّنات ومقاطع اليوتيوب وغيرها، ومعايشتهم على مدار فصل دراسي لهذه القيمة، وقياس هذا التأثير عليهم من خلال استبانة علمية قبل وبعد بدء البرنامج. وما يزيد من قيمته ما تمّ إلحاقه بالنسخة الرابعة للبرنامج والمتمثلة بأمرين: الأول إضافة مجال تنافسي جديد هو الإبداع الاجتماعي، وإشراك الطلبة في تسويق المشاريع الخيرية، والآخر تعيين سفراء لقطر الخيرية في مجال القيم وهم عبارة عن نجوم في مجالات الرياضة والإعلام من أجل التنافس في هذه تمويل وتسويق مشاريع إنسانية في المجال التعليمي، بالتعاون مع طلبة المدارس الذين سينخرطون في منافسات البرنامج من خلال مجال الإبداع الاجتماعي، وأتوقع أن هذه التوليفة الجميلة ستستطيع تعزيز قيم العمل الخيري لدى الناشئة واليافعين وتسهم في استقطاب مزيد من المتطوعين النجوم بكل ما لهم دور تسويقي مهم، وإضفاء جو من الحماس على هذه العملية التنافسية، وخلق فرص جيدة لنقل الخبرات بين أجيال مختلفة، وتكوين فرق عمل تتكامل فيها الأدوار وتستقطب متطوعين من أعمار مختلفة بآن واحد. ويضاف لمزايا البرنامج أن مجال الابتكار الاجتماعي استند إلى بعد تربوي، ألا وهو نظرية الذكاءات المتعددة التي تعبّر عن قدرات يمتلكها الأفراد تبين مهاراتهم في جوانب عدة، كالذكاء اللغوي والذكاء المنطقي والذكاء الذاتي والذكاء الجسمي والذكاء الموسيقي والذكاء الطبيعي..، وهو ما سيسمح من الإفادة من الذكاءات المتنوعة للطلبة وقدراتهم المختلفة، ويعمّق العلاقة بين التربية والتعليم من جهة والعمل الإنساني من جهة أخرى، وبالتالي غرس القيم الإنسانية في نفوس الناشئة منذ الصغر وتنشئتهم عليها وتوسيع مجالات دمجهم في العمل التطوعي وخدمة المجتمع مستقبلا وبشكل علمي ومدروس وممنهج.أتمنى رصد مثل هذه النماذج النوعية وقصص نجاحها، وإجراء الدراسات لقياس تأثيرها والعمل على تطويرها وتوسيع نطاق المستفيدين منها.