13 أكتوبر 2025
تسجيلقال لي صديقي إنه لم يعد له قِبلٌ بمتابعة أنباء عالمنا العربي، وخاصة تلك التي عن سوريا، ولذا فقد قرر أن يقاطع سماع نشرات الأخبار منذ مدة، والسبب، كما شرح لي، هو الحزن الذي يعتصر قلبه والأسى الذي يغمر روحه، نتيجة هذه المتابعات، نظرا لحجم الضحايا، وشلالات الدم المسفوح، ومناظر المآسي المروّعة، والدموع المتدحرجة من المآقي، والصراخ والعويل، والاستغاثات المؤلمة، خصوصا من النساء والأطفال، دونما مجيب، ومشاهد الدمار والخراب والقصف والقنص، وربما تكون وراء هذا التصرف عنده وعند غيره أسباب وأسباب. وهذه الحال ليست حال صديقي لوحده، بل ربما تكون حال الكثيرين من أبناء أمتنا، وهي تنم في جانب منها على رهافة إحساس، ورقّة قلب وطبع، وعدم قدرة على الوقوف موقف المتفرج فقط إزاء ما يدور حولهم، دون تقديم شيء لمن تصبّ فوقهم المآسي، والاكتفاء بمقولة المثل "العين بصيرة واليد قصيرة"، ولكنها في جوانب أخرى قد تكون خطيرة، لأنها تؤدي إلى نتائج أكثر فداحة على مستوى الواجب الأخوي والإنساني وذلك لأسباب متعددة:- على المستوى الإنساني فإن رصيد القيم البشرية، وما تنادي به المواثيق والأعراف الدولية والقوانين الإنسانية العالمية، والتي تنصّ على وجوب احترام حقوق الإنسان وآدميته توجب هذا الاهتمام، على بني البشر، من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ومن جهة المنظمات الدولية والحقوقية وجماعات الضغط والنقابات والجهات الاعتبارية والأفراد، متمثلا في مناصرة المظلوم، ومقاضاة ومعاقبة الظالم في المحاكم الدولية، والتدخل لصالح الأفراد والشعوب المضطهدة وتوفير الحماية للأقليات، والممرات الإنسانية الآمنة له، لوصول المساعدات وإنقاذ الجرحى والمحاصرين.. وأي نكوص عن ذلك فهو ينم عن حالة عجز أو استهتار، أو كذب أو تحايل أو كيل بمكيالين كما يحدث اليوم إزاء الأزمة السورية وغيرها.ـ على مستوى أخوة النسب والعقيدة فإن متابعة أحوال الأمة، ومعرفة ما يتعلق بهم، أوجب، من باب أن "الأقربون أولى بالمعروف" و"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، كمدخل لا بد منه لتقديم العون والمساعدة والمساندة، والانتصار لهم على كافة الصعد، والعكس قد يكون صحيحا، فإن عدم اهتمام شعوبنا العربية والإسلامية، منظمات وهيئات وأحزابا وأفرادا، قد يعكس حالة الاستهتار، وموت شعور التكافل والتعاضد والتعاون بين أفرادها، فالأصل في المسلمين أن يكونوا جسدا واحدا في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، بحيث لو اشتكى عضو منهم تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، كما ورد في الحديث النبوي الشريف. ـ ومن هذه الأسباب أن عدم متابعة الأخبار، ربما يعكس حالة من الإحباط والقنوط والسلبية لدى الأمة، وربما يكون تعبيرا عن روح انهزامية، أو هزيمة نفسية، تفتّ في عضدها، والتخلي عن أداء الدور المنوط بها، خصوصا في ساعة المحنة والشدة، لأن الأصل هو ما عبّر عنه الشاعر العربي بقوله: لمّت الآلام منّا شملنا.. وتمت ما بيننا من نسب.لا نريد من الاستماع إلى الأخبار وملاحقتها بصفة دائمة أو دورية، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها المرئية، خصوصا إبان الكوارث والمحن والشدة والعسر.. لا نريدها كي نذرف الدموع، أو ننفعل سريعا أو ننفّس بها عن عواطفنا، أو حتى لنجعلها تلتهب في لحظة آنية فحسب، ولا نريدها كي ندمن مشاهد الألم، ونتعود على صورها يوما بعد يوم، دون أن تحرك فينا ساكنا، وكأننا نشاهد دراما تلفزيونية أو فيلما سينمائيا لقصص من الماضي الغابر. ورغم إدراكنا لضعف تأثير الكلمة علينا عموما، في عصرنا الراهن، فإننا نرجو أن تكون هذه المتابعة الإخبارية مقدِّمة لأمور كثيرة تسهم في أفعال إيجابية تجاه مجتمعنا وبيئتنا وأمتنا ضمن قدراتنا وطاقاتنا، لعل من أهمها:ـ إبقاء قضايا الأمة حيّة في ضمائرنا، وعدم نسيانها أو صرف الأنظار عنها.ـ الوصول لفهم أعمق من خلال تسليط الضوء على المظالم والمعاناة الإنسانية، عبر الأساليب المختلفة (التقارير، الأفلام الوثائقية، استطلاعات الرأي، البرامج، التحليلات) والانحياز إلى مشاريع ومواقف أصحاب الحق.ـ التمكّن من تفنيد دعاوى أصحاب المشاريع الظالمة، ودعايتهم الصفراء، وإزالة أي غبش يتصل بذلك. ـ حشد الدعم والمناصرة والتأييد لها، من خلال حملات مهنية، ننظمها أو نشترك فيها أو ندعمها. ـ استخلاص نقاط الخطأ والزلل وتلمس مواقعها، والإفادة منها لتجاوز الخلل وتقويم الاعوجاج.متابعة الأخبار صارت كالخبز اليومي لا غنى لنا عنه، سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وقد صارت قريبة منا جدا، وسهلة التناول، ومتاحة بيسر وسهولة، زمانا ومكانا، كما هو الحال في الهواتف الذكية وغيرها، لذا فلنجعل أمر هذه المتابعات لنا لا علينا.