15 سبتمبر 2025
تسجيلأدى تركيز عدد من دول الشرق الأوسط "وفي المقدمة منها دول ثورات الربيع العربي" على الجوانب السياسية والأمنية في فترة ما بعد الثورة، وإهمالها للكثير من الجوانب والأبعاد الاقتصادية في ظل تراكم وتفاقم بعض المشكلات الأساسية كقصور البنية التحتية ونقص شبكات الأمان الاجتماعي وتعويق ممارسة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعقيد اللوائح والقوانين المنظمة لسوق العمل في ظل ضعف الإنفاق المخصص للتعليم والبحث العلمي والصحة وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية، إلى الوقوف حائلاً دون إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية أساسية تعمل على دعم الاستقرار وزيادة فرص العمل ومعدلات النمو.ولقد تعمدت حكومات هذه الدول إلى تأخير تنفيذ هذه الإصلاحات الهيكلية تفادياً للغضب والسخط الاجتماعي والسياسي والشعبي، بل لجأ الكثير منها إلى إجراء عدد من السياسات العكسية التي قد تكسبها بعض الشعبية في المدى القصير ودون النظر إلى مخاطرها وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع، كزيادة مخصصات الدعم وزيادة أجور العاملين بالحكومة والقطاع العام والجهاز الإداري للدولة وإعفاء طلاب المدارس والجامعات من سداد كافة الرسوم الدراسية، بما فاقم من مشكلات وضغوط هذه الدول المالية والاقتصادية.مما دعا البنك الدولي إلى إصدار تقرير حديث بعنوان "الحلقة المفرغة لبطء النمو وعدم الاستقرار السياسي"، حث فيه سبع دول في منطقة الشرق الأوسط وهي: تونس ومصر وليبيا ولبنان وإيران والأردن واليمن، إلى تسريع القيام بإصلاحات هيكلية ضرورية تكون كفيلة بإيقاف تزيف اقتصاداتها وتعمل في ذات الوقت على تحفيز ورفع معدلات النمو الاقتصادي بالبلاد وتحقيق الاستقرار وخلق فرص عمل كثيفة.وحذر تقرير البنك الدولي من زيادة المبالغ المخصصة للأجور والدعم والتي يرى أنها ستؤدي بالضرورة إلى خلق ضغوط شديدة وأعباء إضافية تزيد من عجز موازنات هذه الدول بما يحد من قدرتها على الإنفاق على بعض الأنشطة المهمة الأخرى، كالتعليم والبحث العلمي والرعاية الصحية والاستثمار في البنية التحتية.... فيما أكد التقرير على أن الإسراع في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة سوف يوفر لهذه الدول أموالا ضخمة تمكنها من إعادة هيكلة اقتصاداتها وتحقيق المزيد من فرص العمل الحقيقية وتزيد كذلك من معدلات نموها الاقتصادي.وقد قسم تقرير البنك هذه الدول السبع إلى مجموعتين مختلفتين، تمثلت المجموعة الأولى منهما في الدول المستوردة للنفط والغاز وهي مصر وتونس ولبنان والأردن والتي تعاني بشكل عام من ضعف الاستثمارات ولاسيَّما الصناعية منها وتلك الموجهة للبنية التحتية.... وأكد التقرير على أن دولة كمصر ما زالت تعاني من كثرة القيود التي تعرقل تسهيل وتيسير ممارسة الأعمال من روتين وبيروقراطية وفساد في ظل تزايد ظاهرة المحسوبية بالعديد من مشروعات القطاع الخاص، كما أكد التقرير كذلك على وجود تحديات ضخمة تواجه تونس في مرحلة ما بعد الثورة ومن أخطرها وجود تفاوتات اقتصادية واجتماعية كبيرة بين مناطقها المختلفة، مع تضخم أعداد العاطلين وزيادة عجز الموازنة والديون السيادية.وقد أكد تقرير البنك الدولي أيضا على معاناة الاقتصاد اللبناني المتمثل في نقص الخدمات العامة وظاهرة التكدس في المدارس العامة وصعوبة إمكانية الوصول إلى المستشفيات والعيادات الحكومية للفئات محدودة الدخل، خاصة في المناطق الريفية... كما أشار كذلك إلى ضرورة إسراع الأردن بإجراء مجموعة من الإصلاحات الأساسية والهيكلية وفي مقدمتها تحسين كفاءة النفقات العامة وإلغاء القواعد الصارمة التي تقيد سوق العمل، وترشيد اللوائح التنظيمية المتعلقة بأنشطة ممارسة الأعمال، بالإضافة إلى تلك الضغوط الشديدة التي فرضها تدفق اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني.أما المجموعة الثانية من الدول السبع التي حددها البنك الدولي في تقريره فهي الدول الثلاث المنتجة والمصدرة للنفط والمتمثلة في إيران وليبيا واليمن، والتي اتهمها التقرير بسوء إدارة مواردها النفطية، بالإضافة إلى تضخم قطاعاتها وهيئاتها العامة بما يؤدي إلى إعاقة وإضعاف القطاع الخاص بها، مما دعا التقرير حكومات هذه الدول إلى ضرورة تنويع أنشطتها الاقتصادية بما يضمن لها قدراً أكبر من الاستقرار الاقتصادي والمالي على المديين المتوسط والطويل.ويرى واضعو التقرير أن من أهم العوامل التي أعاقت من نمو القطاع الخاص بهذه الدول النفطية الثلاث هو هشاشة الوضع الأمني بها وكذا ضعف إمكانية الحصول على التمويل المطلوب في ظل وجود فجوة تمويلية كبيرة، خاصة في كل من ليبيا واليمن، بالإضافة إلى عدم وضوح واستقرار التشريعات القانونية والاستثمارية وضخامة المبالغ المخصصة للدعم وفي مقدمتها دعم الطاقة الذي يمثل نسبة كبيرة من موازناتها بما يحد من قدرة حكومات هذه الدول على الإنفاق على الخدمات، خاصة الموجهة للفقراء ولدعم النمو.