13 سبتمبر 2025

تسجيل

السُفِسْطَائيَونْ الجُدُدْ: فـَنُّ النّهِيـْقْ!!

05 مارس 2012

لم يكن السفسطائيون كما يعتقد البعض مدرسة فلسفية مثل عمق فلاسفة اليونان، بل اتجهوا للحياة ووظفوا لها قواعد صاخبة بتركيزهم على الجدل العقيم، رغم اهتمامهم بالمعرفة التي تؤهل السياسي للنجاح مثل البلاغة والإلقاء والجدل، ولعل هذا التعليم جيد لكل سياسي يراد منه الحنكة وليتهم قطفوا افضل ثمرات هذه المعرفة ولكنهم شطحوا فيها وتجاوزوا اخلاقيات المنطق الى اللامنطق. فمنهجهم في الحياة يذكرني بمن يهرف بما لا يعرف أو يجادل لمجرد حب الظهور، فكبير السفسطائيين بروتاجوراس Protagoras ومن جاء بعده يقول: "ليس من المهم أن تعلم شيئا عن الموضوع لتجيب!" "خوش" تعليم.... وقد صدقوا في ان منهج الكثير اليوم في السياسة وفي الحياة العامة ليس فقط الهرج والجدل بل السفسطة وهي التلاعب بالألفاظ. كان هؤلاء المعلمون يدرسون كيف تكسب خصمك بكل وسيلة، خاصة بخداع المنطق وتمويه الحقيقة، وليس أدل على التلاعب بالالفاظ من المحور الذي دارت حوله فلسفتهم، فعبارة برتاجوراس الشهيرة تقول:"الإنسان مقياس كل شيء"، تنفي أي وجود خارجي مستقل عما في أذهاننا فما تراه أنت هو حقيقي بالنسبة لك حتى لو خالف ما يراه الآخر الذي يكون حقيقيا بالنسبة له أيضا. سيجن جنونكم ايها المنطقيون والعقلاء، خصوصا اذا ربيتم اطفالكم على الصواب والخطأ، فنظريتهم تؤمن باستحالة وجود الخطأ. اذا لله در الصواب ومن يقوله! وحتى تعمل عقلك في مثال بسيط لهم اطلعك على مثال لجورجياس السفسطائي لعله أوضحهم، إذ قال "لا شيء موجودا" و"إن وجد شيء فلا يمكن أن يعرف" و"إذا أمكن أن يعرف فيستحيل إيصاله للغير" فسروا لنا رحمكم الله، لأنني لم افهم ما يعنيه، ولم افهم لماذا يؤكد ويصر على استحالة ايصال شيء غير موجود اصلا، لماذا لا يختصر الطريق من أساسه ويكفينا الله منه شر القتال. الحق لديهم نسبي ولا يوجد قانون أخلاقي عام، وأن قوانين الدولة كما قال"بولس" هي اختراع الضعفاء ليخضعوا به الأقوياء. لا اعلم لماذا ذكرني السفسطائيون ببعض الفئات من اولئك الأفراد اليوم الذين يعارضون كل شيء ولا يريدون شيئا ولا يستسيغون ثمرة شيء، فكل شيء لديهم مر، والدنيا سواد والقوانين لديهم اختراع حتى لو كانت تنظيمية مؤقته. لا اعلم ما الذي أراده سفساطئيو الأغريق وما الذي يريده من مثل امثالهم من السفسطائيين الجدد،هل هي الفوضى؟ هل يعقل في عرف المنظومات الحقوقية ان يقدم الفرد نفسه على الجماعة والصالح الخاص على الصالح العام بل والمنطق على اللامنطق. قديما اتُهم السفسطائيون بان ليس لهم تعاليم فلسفية إيجابية، وهذا حق والسبب ببساطة اعتقده لانهم غارقون في الأنانية والتوحد وحب الذات. من قواعد فلسفتهم هذه إكبار شخصية الفرد، وألا تفرض عليه الآراء فرضا وهنا نسلّم بانه لا بأس من تقدير شخصية الفرد ورأيه وعدم فرض ما لا يميله العقل عليه، فهذا حق، ولكن تأليه الذات والانتشاء بها والاستبداد بالرأي على نحو قاعدتهم يعد خطأ ذريعا لأنه احادي فقط. رغم استبدادهم فهم يناهضون الاستبداد بالرأي عند غيرهم ليس في عالم السياسة فحسب بل في الاجتماع والمجتمع ايضا فقد ذكرتني مدرستهم العقيمة فيمن يكابر وحده في هذا الوقت من الذين يصادرون كل رأي يخالف رأيهم ويدحضون كل حقيقة ما لم تنشأ عن ذواتهم. والمسلم به أنه لا يمكننا كبشر لدينا عقل مصدق بالحواس غض الطرف عن الحقيقة الخارجية المستقلة عنا كإنسان، فلا مكان لسوء الاستدلال، لأن النتائج ستكون خاطئة ويخطىء من يصر على رأيه ليثبت مثلا خطأ ما ترى صوابه العين لفكرة في ذهنه فقط. منهج السفساطئيين يذكرنا ايضا بآفة بياعي الكلام او" الحَجِيْ" الذين غدوا تلاميذ بل اساتذة في التمويه والتعمية وما هي في الحقيقة الا كذب مغلف وما اشطرهم في خديعتك بكلام منمق معسول. مدرسة اليونان القديمة رسمت مدارس ووضعت لنا دروسا وعبرا، ولكن كما تخرجنا ونحن نعلم ان السفسطة منهج غير محبب، استخدمه السفساطئيون كشذوذ عن السرب بعد ان ابدع فلاسفة اليونان وذاع صيتهم واشتهرت نظرياتهم. وبما ان لكل فعل رد فعل مساويا له في القوة ومضادا له في الاتجاه فإن تحقيق الشهرة لم يتأتَ لهم إلا من خلال ذلك اي مثل منهج "خًاِلفْ تُعْرَفْ" عند العرب، إنه المنحى الشاذ الذي يجب ان يعالج في السفسطة الجديدة في عالم اليوم سواء لدى السياسيين أو الاعلاميين أو غيرهم الذين جاءوا ايضا بقاعدة مشابهة لمتفيهقي اليونان "من ليس معي فهو ضدي" فانتشوا منتفخين بان رأينا صواب لا يحتمل الا الصواب ورأي غيرنا خطأ لا يحتمل إلا الخطأ، فتضخّمت الذات لدى البعض لأنها هي فحسب معيار الصواب والخطأ دون اعتبار المعايير المنطقية. لذلك كثر من يغرد خارج السرب ليس لأن له رأيا مغايرا، فحق الاختلاف مصون ومقدر ومحترم واعتناق الرأي مكفول قبل حق الكلمة والتعبير ولكن بالمنطق والحجة وليس بمعايير الأنا على قاعدة "برتاجاورس" "الانسان مقياس كل شيء." واخيرا، اين مكان العقل فيمن يحمل الأسفار فقط على ظهره؟ أوليست السفسطة نهيقا؟ كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com