10 ديسمبر 2025
تسجيلتثير القرارات التي أنهت فترة طويلة اتسمت بالانخفاض الشديد لأسعار الفائدة في عام 2022 مخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي، لكنها تساعد أيضًا على تنوع أنماط الاستثمار وردع المضاربة والديون المفرطة. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، منحت البنوك المركزية الكبرى وصانعو السياسات الاقتصادية الأولوية للنمو الاقتصادي ومنع الركود، وكان النهج الرئيسي هو خفض أسعار الفائدة، حيث مثَّل هذا النهج رد الفعل على كل صدمة اقتصادية أو جيوسياسية كبرى منذ عام 2001. وفي بداية القرن، أدت فقاعة الإنترنت وهجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة إلى حدوث هذا الرد. ودفعت الأزمة المصرفية التي وقعت في عام 2008، والتي تميزت بحالات إفلاس كبرى وعمليات إنقاذ حكومية للبنوك الغربية الكبيرة، إلى خفض أسعار الفائدة إلى معدل يقترب من الصفر. وفي الآونة الأخيرة، أدت جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي المرتبط بها في الفترة من عام 2020 إلى عام 2021 إلى هبوط أسعار الفائدة من مستوى منخفض إلى منخفض للغاية. وعلى مدار أكثر من 20 عامًا، كانت أسعار الفائدة منخفضة بالمعايير التاريخية، وكانت منخفضة للغاية في معظم الأعوام الخمسة عشر الماضية. ولم يعاين أي شخص عامل دون الفئة العمرية من 40-45 عامًا ارتفاع أسعار الفائدة أو التضخم، باستثناء عدد قليل من البلدان. وفي الفترة من عام 2005 إلى عام 2008، تراوحت أسعار الفائدة الفيدرالية بين 4٪ و5.2%، لكنها انخفضت إلى أقل من 4٪ خلال السنوات العشرين الماضية، وبلغت في بعض الأحيان أعلى من مستوى الصفر بقليل. وعلى النقيض من ذلك، تجاوزت أسعار الفائدة حاجز الـ 10% في بعض الأحيان خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ووصلت إلى حدود 5-6٪ في معظم حقبة التسعينيات. وفي عام 2022 تغير الوضع، حيث أدى الصراع في أوكرانيا الذي اندلع في فبراير 2022 وما صاحب ذلك من ضغط عالمي على إمدادات الطاقة خلال فترة الانتعاش الاقتصادي بعد انتهاء جائحة كوفيد-19، من بين عوامل أخرى، إلى ارتفاع معدل التضخم ليتجاوز 10٪ في العديد من الاقتصادات، وهي أعلى معدلات مسجلة منذ عقود. ورفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة من صفر تقريبًا إلى حوالي 4.75% في غضون بضعة أشهر. وقد بدأ ذلك في إحداث تأثير كبير على الاقتصاد الفعلي. ويمكن القول، إن إعادة أسعار الفائدة إلى الوضع الطبيعي كان أمرًا ضروريًا، وربما يكون قد بدأ في وقت سابق، وسيكون له آثار إيجابية. وقد شجعت الأموال الرخيصة للغاية القروض المالية العالية والمضاربة، مثل الفقاعة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة فيما يتعلق بتقييمات العملات المشفرة. ويساعد الارتفاع في عائدات السندات بعد ارتفاع أسعار الفائدة على إعادة توازن محافظ الاستثمار لتشمل نسبة أعلى من الأصول الآمنة. ولا تزال العائدات أقل من معدلات التضخم في العادة، لكن ذلك ما كان يحدث غالبًا في عصر انخفاض التضخم، حيث كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية. وسوف تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في إخفاق بعض الشركات التي تستدين بشكل مرتفع واستراتيجيات الاستثمار المحفوفة بالمخاطر. وسوف تردع زيادة أسعار الفائدة الديون المفرطة والمضاربة، وستكافئ المدخرين بالطبع. ويجب أن يساعد هذا الدمج في توجيه الاستثمار نحو الأنشطة الأكثر أمانًا واستدامةً. وليست دول مجلس التعاون الخليجي بمعزل عن هذا الاتجاه. فقد تعيَّن على البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي أن تحذو حذو البنوك المركزية الرئيسية وأن ترفع أسعار الفائدة، وهو ما يعني أن العديد من القطاعات الاقتصادية التي اقترضت بكثافة أصبحت الآن معرضة لتحمل تكلفة فائدة أعلى. وسيؤثر ذلك على التدفقات النقدية وقدرة الشركات المدينة على سداد الديون وتوزيعات الأرباح وخططها الاستثمارية المستقبلية. وأنا أرى أن قطاع العقارات سيكون من أكثر القطاعات تعرضًا للخطر بسبب ارتفاع مستوى الاقتراض وانخفاض تدفقاتهم النقدية، يليه قطاع المقاولات والشركات العائلية ذات المديونية العالية. وقد تواجه هذه القطاعات بيئة تجارية أكثر صعوبة بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما سيتسبب في تعرضها لضغوط نقدية. ومن الوارد تعرض بعض الشركات للإفلاس، وهو ما قد يترك تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي على نطاقٍ أوسع، اعتمادًا على حجم هذه الشركات وتأثيرها. ويمكن الحد من هذه الآثار بإدخال بعض التعديلات أو سن قانون جديد بشأن إعادة تنظيم الإفلاس. فعند وضع مثل هذه اللوائح، يجب تحقيق التوازن بين حماية مصالح المقرضين دون التشدد المفرط تجاه رجال الأعمال الذين أسسوا شركات وواجهوا صعوبات تجارية حقيقية. وقد يساهم اتباع نظام عقابي قاسٍ تجاه مؤسسي شركات الأعمال في ردع رواد الأعمال، ولكن من المنطقي ضمان إمكانية تقليل الجهات المقرضة لخسائرها في الوقت المناسب وإعطاء الفرصة لرجال الأعمال لإعادة هيكلة أعمالهم. وكما هو الحال، على سبيل المثال مع عمليات الرهن العقاري، يمكن أن تستغرق عملية بيع الأصول الذي أُقرضت الأموال مقابلها وبيعها ما يصل إلى ثلاث أو أربع سنوات بسبب الإجراءات القانونية الحالية، وهو ما يمكن أن يردع البنوك عن إقراض رواد الأعمال والإقراض العقاري. ومن الصعب تحديد مدة استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، نظرًا للوضع الجيوسياسي الذي لا يمكن التنبؤ به. ومن الممكن أن يكون التضخم قد بلغ ذروته، وأن أسعار الفائدة باتت قريبة من أعلى نقطة لها، ولكن قد تتسبب الأحداث غير المتوقعة بالطبع في تغيير ذلك الوضع مرة أخرى. وفي بداية عام 2023، بدأ التضخم في الانخفاض، مدعومًا بانخفاض أسعار الطاقة، الناجم جزئيًا عن اعتدال فصل الشتاء نسبيًا في قارة أوروبا، والتحولات السريعة في العرض. وقد شهدنا تحسينات في سلسلة التوريد لقطاع الطاقة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة العرض بسبب الاستثمارات الكبيرة في قطاع الطاقة خلال السنوات الثلاث الماضية، مما قد يزيد من الضغط الهبوطي على الأسعار. لا يوجد نقص في رأس المال الاستثماري في الاقتصاد العالمي اليوم، حيث تبدو البنوك مستعدة للإقراض، ولكن بسعر فائدة أعلى، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف خدمة الديون، مع تخصيص رأس المال بشكل أكثر منطقيةً، على الأرجح، وإمكانية تحقيق عوائد أفضل على المدى الطويل.