27 ديسمبر 2025

تسجيل

الاستقالة بين غياب الدولة وحضور المجتمع

05 فبراير 2020

أتمنى لمعالي رئيس الوزراء الجديد الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني كل التوفيق والسداد في المسؤوليات الجسام الموكولة إليه. كما أتقدم لسلفه معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني بالشكر الجزيل على الجهد العظيم الذي بذله معاليه أثناء وجوده في المنصب، كما أتمنى للجميع شعباً وحكومة التوفيق في ظل قيادتنا الكريمة. قضية "الحضور والغياب " بين الدولة والمجتمع ظاهرة لافتة للنظر للباحث ويجب التعامل معها بجدية وبوعي، حينما تحضر الدولة وأعني بها هنا "المنصب" يغيب المجتمع، وحينما تغيب الدولة يحضر المجتمع. تبدو الدولة حضوراً متعالياً في الذهن بحيث يصبح أسبقية في الوعي لدى الفرد ويقلل أو ربما يمنع انخراطه في المجتمع. عاصرنا كثيراً من المسؤولين ممن فضلوا حضور الدولة "المنصب" على حضور المجتمع، وتكدسوا هناك في حضور متعالٍ، فلما غابت الدولة، بدأوا سعياً حثيثاً لاحضار المجتمع ولكن دون جدوى. معالي الشيخ عبدالله بن ناصر من القلائل الذين استطاعوا في ظل حضور الدولة أن يحافظوا أيضاً على حضور المجتمع، وعندما غابت الدولة حضر المجتمع بشكل غير مسبوق، هذه المعادلة الدقيقة بين حضور الدولة وحضور المجتمع إنجاز إنساني استطاع صاحبه أن يحقق توازناً كبيراً بين قيود المنصب وإلحاح المجتمع، أن ينظر المسؤول إلى المنصب من خلال المجتمع يعني أنه استطاع أنسنة المنصب دون أن يُنصب نفسه فوق المجتمع. ليس الحضور هو التجسد؛ الحضور هو غياب الجسد وبقاء الأثر. على الدولة والمجتمع مسؤولية عظمى في ردم الهوة بين الحضور والغياب في ثنائية الدولة والمجتمع، ولن يتحقق ذلك بشكل يخدم الطرفين إلا حين الشروع في بناء مجتمع مدني حقيقي. غياب المجتمع المدني يجعل الحضور عاطفياً لكنه يعطي مؤشراً على الحنين إلى حضور حقيقي فاعل. هذه الكتل التي جاءت للسلام على مسؤول ترك منصبه تدل على وعي المجتمع وإدراكه لطبيعة هذا المسؤول بعيداً عن الظروف. المجتمع لديه من الذكاء ما يجعله يحضر حينما يستشعر بأن هناك من يشعر به مجرد الشعور بالناس يكفي لحضورهم. بودي لو نحقق حضور الدولة والمجتمع؛ بحيث يصبح المنصب جزءاً من المجتمع وجزءاً من الدولة، وأن يصبح صاحبه متواضعاً ويعيش مع هموم الناس تغييراً أو مشاركةً على الأقل. أعرفهم شخصيات تركت المنصب منذ عشرين عاماً أو يزيد ولا يزال المجتمع يتعامل معهم وكأنهم على كرسي السلطة، إنه الإلهام الذي يجعل من الإنسان يعيش في معية الآخر البسيط ليس لأنه قدم له خدمة مادية بقدر ما قدم له مثالاً على الإنسانية. كثيرون هم أولئك الذين غابوا عن المنصب وغاب عنهم المجتمع؛ لأنه أدرك أنهم ذوات فارغة أوجدها المنصب ولم توجده، فلما سقط عنها المنصب باتت تعيش في عراء الثرثرة ومدح الذات. اسأل الله أن يُلهمنا من أمرنا رشدا. [email protected]