11 سبتمبر 2025

تسجيل

الحوار الإستراتيجي القطري — الأمريكي ترسيخ لعلاقة عريقة

05 فبراير 2018

الحوار الاستراتيجي القطري — الأمريكي ختم أول شهر من السنة الجديدة التي تدخلها قطر، وقد استوعبت تماما آثار الأزمة الخليجية والحصار الذي يكمل اليوم شهره الثامن، وتحركت في الأثناء في الاتجاهات الصحيحة. فحيث أُريدَ دق اسفين في علاقة تعود الى سبعينيات القرن الماضى بين الدوحة وواشنطن، وشهدت قفزات شملت كل المجالات تقريبا، وعززت رصيد الثقة بين الجانبين، انطلق الحوار في واشنطن تحديدا، إيذانا بانطلاقة جديدة وزخم أكبر، على أسس من الشفافية والندية والمصلحة المتبادلة. وعكست تركيبة الوفد القطري الذي طار الى واشنطن وثقل الشخصيات التي التقاها، أهمية هذا الحوار ومآلاته التي ترجمت الى اتفاقيات طالت مجالات حيوية امتدت من الطاقة، الى الشأن العسكري، مرورا بأمن المعلومات والاستثمار والتربية والتعليم. الولايات المتحدة لا تجامل، وهذا مكمن قوتها، فعندما تتحدث الخارجية الأمريكية عن قطر بصفة " الشريك الاستراتيجي" وتصف العلاقات الممتدة معها ب" العريقة والمتينة"، فانها تبعث برسائل لا تحتمل التأويل عن الاستمرارية في هذه الخصوصية حتى وان تعرضت لهزات ظرفية، لا تخلو منها علاقات الدول، بل قد تكون حافزا للقفز بها مراحل الى الأمام. لندعْ جانبا الحديث عن علاقة "رمادية" مع سيد البيت الأبيض حاليا، وعلاقة أكثر وضوحا ورزانة مع مؤسسات صنع القرار الأمريكي، الخارجية والدفاع والاقتصاد تحديدا، وهى الأكثر رسوخا في عالم متقلب ومجيء ورحيل الأشخاص. فقد أحسنت الدوحة عملا، وأصابت الهدف، حين خاطبت شركاءها وحتى خصومها، من قلب عاصمة القرار العالمي. مؤسسات فكرية ومراكز بحوث سياسية على غرار مركز انتربرايز أو مؤسسة هيريتج، استضافت عددا من الوزراء أعضاء الوفد القطري، لتوضيح مواقف قطر في الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، ورؤيتها للحلول، ورفع الغشاوة عن الحقائق التى كادت تضيع وسط صخب الأزمات المفتعلة وسُحُبها التى لا تزال تخيم على منطقة الخليج تحديدا، في سابقة لم تعهدها شعوبها. فعندما تحدث سعادة وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أو وزير الدفاع الدكتور خالد العطية، كانت النبرة واثقة عن واقع العلاقة مع الحلفاء والشركاء، وواشنطن بشكل خاص، وعن حس المسؤولية والشجاعة التى أبدتها الدوحة منذ توقيعها اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، كانت الأسبق اليها، بل الوحيدة التى أبدت التزاما عاليا بالمضى فيها قدما، وتحمل مسؤولياتها في حماية أمن واستقرار الاقليم المضطرب. وتميزت الحوارات بقدر من الواقعية، البعيدة عن العاطفة، أو التمنيات، هى أقرب الى استخلاص العبر، والتفكير المنهجي، المتسق مع طبيعة المرحلة وما تقتضيه من مواقف وحلول. سُلط الكثير من الضوء على الاتفاقيات الكبرى التى وقعها الجانبان القطرى والأمريكي، وحظيت المسائل الأمنية والعسكرية والاستثمارية بموقع الصدارة، وربما كان اسم قاعدة "العديد" الأكثر تداولا في هذا الحوار وما أعقبته من أصداء في الصحف أو نوقش في لقاءات مع الجمهور الأمريكي. كيف لا والنية تتجه الى جعلها قاعدة دائمة، ليوضع حدّا لمزايدات كثيرة من هنا وهناك. وهى خطوة عملاقة في تجذير أسس العلاقة الأمريكية القطرية، وتحصين دولة قطر من أى أخطار قد تتهددها، أيا كانت . وعندما قال جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكى بوضوح إن "بإمكان قطر أن تعتمد علينا في الدفاع عن أمنها وسيادتها"، فإنه اختزل مجمل الموقف الأمريكى في رؤيته لأهمية العلاقة مع الشريك القطري. هى الاستمرارية اذن، وليست بناءً مفاجئا، وليد اللحظة، لا تدعمه أسس. بالإمكان الجزم بأن العلاقة الأمريكية القطرية في أفضل أحوالها، وهى بمنأى عن الهزات، رغم المحاولات، ولكلتا الدولتين أن تحتفي  بهذا المستوى المتقدم الذى نُسج على مر العقود وبمستوى التحالف الذى أُنجِز والذى به تُحسِب أهمية الدول ووزنُها...و لا ينبغى للمتابع أن يغفل عن حقيقة أن هذا التقارب يأتى في ظرف استثنائى أريد فيه عزل الدوحة والحاق الأذى بعلاقتها التاريخية مع حلفاء تقليديين، وهو ما يضاعف قيمة ما أنجِز، ويستلزم الحفاظ عليه بل وتعزيزه. جولة الحوار الإستراتيجى هذه، احتضنتها واشنطن، وبفارق سبع ساعات وأكثر عن توقيت الخليج، ولكنْ ظلّلها شبح الأزمة الخليجية التى لم تنفكّ عقدتها بعد. ولعله من باب الأمانة أن نشير الى أن جل ما تم في واشنطن كانت أصداؤه تتردد في المنطقة، بالتعليق والتأويل والربط المباشر مع الأزمة وتداعياتها وكأن الدوحة تذهب بعيدا لحل أزمة قريبة داخل المحيط، وهو استنتاج يجافي الحقيقة. فلم يحاول أحد من المسؤولين القطريين ممن شاركوا في الحوار، أن يتجاهل أو يتهرّب من أى سؤال طُرح عليه بخصوص الأزمة وتأثيراتها ورؤية قطر للحل ومدى جديتها فيه، بل اتسمت أغلب طروحاتهم بالوضوح والواقعية والايجابية، المشوبة بشيء من المرارة المبرّرة، بفعل الأذى الكبير المتراكم على مدى شهور من عمر الأزمة. " لا يمكن العودة الى ما قبل ٥ يونيو، لأن قدرًا كبيرا من الثقة فُقِد، ولكننا منفتحون على أى حوار لا يأتى تحت الاكراه"، هى تقريبا خلاصة الرؤية القطرية لأثر الأزمة، ولالتزامها المبدئى بالتعاطى بجدية مع أى حلول تُطرح لانهاء وضع شاذ. التَقطَ المتابعون تعهد الدوحة بالمشاركة في قمة خليجية — أمريكية يفترض أن تحتضنها الولايات المتحدة الربيع المقبل...ولعله عنوان أمل يخفف من حدة المشاعر والخطاب اللذين يسودان منذ منتصف السنة الماضية، ويحفظ وشائج القربى التى كاد يمزقها الخلاف. وانْ كانت السياسة تفيد في شيء، فينبغى أن تفيد في منع الذهاب الى الحدود القصوى حتى لا نقول الهاوية... وكما أن واشنطن تفّرق أحيانا، فقد تكون المحفل الذى يجمع الفرقاء. وليس الربيع ببعيد.