13 سبتمبر 2025

تسجيل

إفلاس فضائى

05 فبراير 2015

لا جدال فى أن إنتشار القنوات الفضائية بشكل كبير فى السنوات الأخيرة قد ساهم فى زيادة الوعى لدى الكثير من الناس .. خاصة فى الناحية السياسية حيث أن كل الناس – بما فى ذلك البسطاء منهم والأطفال – يتابعون ما يبث على شاشات التلفزيون بشكل يومى ومستمر .. ومعظم الناس تمتلك أكثر من جهاز تليفزيون فى المنزل .. وكل الناس يتناولون طعامهم ويتحدثون ويتسامرون وجهاز التليفزيون مفتوح .. سواء كانوا يتابعون ما يبث على الشاشة أم منصرفون عنه . ولا شك أن جميعنا يعرف أن الإعلانات هى الممول الرئيسى والوحيد تقريبا لكل القنوات الفضائية .. ولهذا فقد أصبح المُعلن هو صاحب الكلمة العليا فى القنوات الفضائية .. وبات الجميع يتسابقون للفوز برضائه حتى لا ينصرف عنهم إلى قنوات أخرى منافسة .. أو حتى غير منافسة .. ومن هنا أصبح أصحاب الشركات المعلنة يشترطون أن تبث إعلاناتهم قبيل وأثناء برامج بعينها .. هذا عامل أساسى وهام . أما العامل الآخر – والذى لا يخفى على فطنة القارئ – أن هناك من الأجهزة الحديثة المرتبطة بالأقمار الصناعية تستطيع أن تحدد – وبكل دقة – عدد الإشارات الصادرة من أجهزة التلفزيون .. وبالتالى عدد المشاهدين التقريبى لكل قناة .. ولكل برنامج أيضا . وأصبح أصحاب القنوات والقائمون عليها يتسابقون للفوز بالمعلن كما أسلفنا .. فماذا حدث ؟ أو بالأحرى .. ماذا يحدث الآن ؟ تحولت معظم القنوات – من خلال برامجها – لطرح قضايا جدلية ومثيرة مثل السحر او الإلحاد أو المبالغة فى بث صور تثير اللبس والإرتباك ومنها مناظر منفرة مثل العرى والإبتذال والخبائث .. أو المبالغة فى عرض صور الدماء والخراب الذى بات جزءا من حياتنا اليومية .. ومع شديد الأسف تلقى مثل هذه الأمور نسبة عالية من المشاهدة .. هذا فضلا عن استضافة بعض الشخصيات التى تتناقش بصوت عال يصل إلى حد الشجار وتبادل كلمات الإتهام بشكل علنى .. حتى يصل الأمر إلى ذروته ويقوم أحد هؤلاء الضيوف بخلع " المايك " والإنسحاب من البرنامج علانية وهو يتفوه بكلمات تثير الجدل والإلتباس لدى المشاهد .. بينما الضيف الآخر الذى كان يتشاجر معه والذى بقى فى الأستوديو يتفوه بكلمات مماثلة هو أيضا . ولو أن الأمر توقف عند هذه النوعية من البرامج السطحية لقلنا أن كل فرد حر فيما يشاهد ويستطيع أن يتحول عن هذه القناة أو تلك متى أراد ذلك .. لكن المشكلة فى هذا الإلحاح الذى يحاصر المشاهدين فى كل الأوقات فلا يجدون مفرا من الإستسلام بعد إدمان مشاهدة التليفزيون كما أسلفنا . والأدهى من ذلك تلك القنوات التى تستعين ببعض نجوم الغناء أو التمثيل لتقديم برامج .. ولا شئ جديد فى الأمر سوى أن مقدم البرنامج هو فلان أو هى فلانه .. ولعل هذا ما شجع بعض نجوم الرياضة السابقين أو الحاليين فى الدخول إلى ذلك المضمار . أما برامج المسابقات فحدث عنها ولا حرج .. فهى تلعب على وتر كسب النقود .. أو الشهرة .. ليصبح الفائز من النجوم هو الآخر .. هذا مع الأخذ فى الإعتبار ذلك التحالف المريب والمشبوه بين تلك الفضائيات وشركات التليفونات التى تدور حولها العديد من علامات الإستفهام فى كيفية إستغلال العملاء .. بل وخداعهم ومص دمائهم بكافة السبل . ومع أن ما يطرح من قضايا وما يقدم من برامج ليس بجديد .. فإننا نتساءل .. لماذا الطرح الآن .. وبهذه القوة .. وبهذا الشكل المتواصل الذى لا يمنح المشاهد فرصة للتفكير أو إلتقاط الأنفاس أو حتى الراحة حتى جعل بعض أصحاب الرأى يظنون أن ما يحدث جزءا من مؤامرة تحاك ضد شعوبنا العربية . وأرجو ألا يفهم من كلامى هذا أننى مع نظرية المؤامرة .. أو أننى ضد المحطات الفضائية هذه .. ولكننى أقول وبصوت عال .. وبمنتهى القوة .. أن الكلمة رسالة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة .. وهى رسالة لا تقل عما حمله إلينا أساتذتنا ومفكرونا القدامى .. ولا أكون مبالغا إذا قلت مثل الرسائل التى حملها لنا الأنبياء والرسل . نحن مع التشويق والجذب ولكننا ضد المبالغة وإثارة الموضوعات والقضايا التى تتسبب فى الإرتباك والإلتباس .. كما أننا ضد خداع المشاهد مهما كان الثمن .. وضد إنهيار قيم وأخلاقيات المجتمعات التى أصبحت سمعتها على المحك .. كما أننا ضد الإنزلاق فى الإبتذال والسوقية والفضائح . وإلى لقاء جديد فى مقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected] [email protected]