13 سبتمبر 2025

تسجيل

أم عبيد والليلة الموعودة

05 فبراير 2014

برقة وهدوء أعادت عددا من الزهور الفواحة إلى مكانها فوق طاولة العرض ثم أصلحت من هيئتها، واختارت أقرب كرسي ثم رفعت رأسها للموظفة وقالت: هل تضمنين أن الورود التي ستجلبينها في الفرح ستكون مثل هذه الورود الفرنسية الريانة، أخشى أن تجلبوا لنا زهورا محلية؟! قالت الموظفة وبصوت أقرب للهمس رقة ودلالا: ولو يا مدام،هذا واجبنا،إذا لم تعجبك الزهور التي ستكسو قاعة الفرح بألوانها المدهشة، وتنشر عطرها في المكان فبإمكانك استرجاع نقودك بعد الفرح.رفعت أم عبيد رأسها بشموخ وقالت وهي تصطنع العتاب: أخبرتك بأننا لا ننتظر استرجاع النقود، النقود لا تهمنا، ما يهمنا هو شكلنا أمام المدعووين.تنحنحت بائعة الورد واعتذرت وقالت بصوت مسموع هذه المرة: والله لا أعرف أين أخبئ وجهي منك، صدقت يا أم عبيد منذ متى كانت النقود تهمك؟!نظرت أم عبيد إلى الموظفة ورمقتها بنظرة عطف وشفقة وقالت لها: صحيح، صحيح.عادت أم عبيد قبيل صلاة الظهر إلى منزلها وبيدها عدد متنوع من الألبومات ناهيك عن نماذج متنوعة من الأقمشة لاختيار ما يحلو لها لوليمة فرح ابنتها. هبطت العروس من الدرج مسرعة حين سمعت صوت سيارة الأم وقالت لها: بشريني يا أمي هل أحضرت كل النماذج والصور معك؟قالت أم عبيد: وكيف لا أفعل يا حبيبتي، وهذا يوم فرحك الذي طال انتظاره؟ بدأت الفتاة تقلب في الألبومات، وتقارن بين نماذج الأقمشة الخاصة بمناديل ومفارش وليمة الفرح وعلا وجهها علامات السرور فالتفتت لأمها وقالت: هل أنت على يقين بأن هذه الشركة هي نفس الشركة التي أشرفت على حفل زفاف عنود بين السيد عبدالله، أنا لا أريد أن يكون حفل فرحي أقل من فرح عنود، لقد كان فرحها مبهرا!!الأم: بل سيكون أفضل منه، قلت لمدير الشركة: أريده أفضل من عرس عنود وسأدفع لك الفرق بكل فرح وحبورالفتاة: لا أعرف كيف أشكرك يا أماهالأم: وكيف تريدينني أن أقبل أن يكون زواجك أقل من زواج عنود أنسيت أنك ابنة المرحوم فهد ياسر، رجل الأعمال وصاحب المكانة الاجتماعية المرموقة في البلد؟العروس: وكم ستكلف وليمة الفرح؟ الأم: التكاليف ليست مهمة على الإطلاق أخبرتهم بشركة تجهيزات الأفراح بالحرف الواحد بأنني لا أقبل بفرح تكون كلفته أقل من نصف مليون ريال شاملة المطرب الخليجي المفضل لديك.العروس:يا للخبر الجميل!! يا للسعر الزهيد،نصف مليون ريال فقط مع مطربي الخليجي المفضل، مع تأكيد بأن الفرح سيكون أكثر بذخا من فرح عنود يا لها من صفقة رابحة!! الأم: نعم هم لن يستطيعوا خداعي،عرضت عليهم النصف مليون على أن نختار من هذه الألبومات والنماذج ما نريد، ووافقوا فورا.العروس: تتصرفين ببراعة وذكاء كعادتك يا أمي. الأم: المهم أن تكوني سعيدة.العروس: أنا سعيدة جدا يا أمي، ولكن نسيت أن أخبرك بوصول رسالة للمنزل حملها سائقنا سليم.الأم: رسالة ممن؟العروس: سأحضرها، ذهبت العروس إلى الطاولة القريبة وعادت بالرسالة وناولتها الأم قائلة: افتحي لنا المكتوب لنعرف ما فيه ومن أرسله.فتحت الأم الرسالة، وبدأت تقرأ بصوت عال: إلى السيدة المصونة أم عبيد زوجة المحسن الكبير المرحوم السيد: سعيد علي. بعد التحية ووافر التقدير نعلمكم أن مركز الأيتام بالصومال لم يستلم المعونة السنوية التي كان يرسلها المرحوم والبالغة خمسون ألف ريال. لقد كان هذا المبلغ الذي يرسله المرحوم لنا سنويا كافيا لإعالة خمسمائة طفل لمدة عام كامل، ونحن ومنذ توفي السيد سعيد رحمه الله، أرسلنا لكم أكثر من خمس رسائل ولم نتلق منكم ردا واحدا حتى الآن. اعذرينا أيتها السيدة الفاضلة أم عبيد، فلولا حاجتنا لاستمرار الدعم ما أثقلنا عليكم بهذه الرسالة. وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام أخوكم: عبادة عثمانرئيس مكتب البر والإحسان بالصومالأنهت الأم الرسالة وقالت: خمسون ألف ريال سنويا، ماذا يظن هذا الرجل هل ورثت بئر بترول حتى أبعث له بخمسين ألف ريال كل عام؟!الفتاة: وبماذا ستجيبينه يا أمي، نحن مثقلون بتكاليف الفرح، من أين لنا بهذه الثروة الطائلة التي يطالبنا بها؟! الأم: لن أرد عليه!!العروس: ولكن يا أمي هو يقول بأن أبي رحمه الله ومنذ سنوات طويلة متكفل بهذا المركز، أرى أن ترسلي لهم شيئا من النقود.الأم: دعيني أفكر، دعيني أفكر، فزواجك يتطلب الكثير من المال وما زال أمامنا نفقات إضافية كما تعلمين!! العروس: وجدتها، وجدتها، ما رأيك بمبلغ خمسة آلاف ريال، هذا مبلغ تسمح ميزانيتنا المرهقة بأن ندفعه لهم.الأم: خمسة آلاف ريال مبلغ كبير جدا، من أين لنا أن نوفر هذا المبلغ ونحن في مثل هذه الظروف، سنبعث له على رقم الحساب المرفق في رسالته بثلاثة آلاف ريال. العروس: وخمسمئة أيضا، اجعليها ثلاثة آلاف وخمسمئة صدقة عن روح أبي رحمه الله.ابتسمت الأم وقالت: يا لك من فتاة نبيلة نعم ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال مبلغ مناسب وسيسد حاجاتهم ولا شك.تناولت العروس حقيبتها اليدوية القريبة منها، فتحتها وأخرجت المبلغ الذي اتفقت مع أمها عليه، ثم تناولت ورقة وقلما ونقلت رقم الحساب البنكي لمكتب البر والإحسان بالصومال.بعد أن تأكدت من نقل العنوان الصحيح وقفت ثم تحركت نحو الباب فتحته ومشت خطوات بداخل حديقة المنزل ونادت على السائق.حضر السائق على عجل، أعطته المبلغ ومعه الورقة التي بها رقم حساب مركز الأيتام وقالت: خذ هذا المال وهذه الورقة واذهب إلى البنك، فثمة محتاجون وجائعون ومرضى ومنكوبون ينتظرون بلهفة هذا المبلغ الكبير، رقم الحساب موجود في الورقة التي معك. استلم السائق المبلغ والورقة وانطلق مسرعا لتنفيذ الأوامر،عادت العروس أدراجها وتوجهت للطاولة التي وضعت عليها ألبومات الصور وعادت تقلب الأوراق من جديد بحثا عن أجمل التصاميم التي تزخرف المكان لتلك الليلة البهية.