26 أكتوبر 2025

تسجيل

عزاء أهل قطر

05 فبراير 2013

لا يستطيع أحد منا أن يتلاشى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى شملت كافة جوانب الحياة وذلك نتيجة الطفرة الاقتصادية والتنموية التى أحدثت تحولات جذرية، وسواء كان ذلك فى نمط الحياة المعيشية وارتفاع معدل دخل المواطن وأصبحت من أعلى متوسط دخل للفرد على مستوى العالم، واضافة إلى الرفاهية التى يتمتع بها الكثير منا سواء كان قطريا أو غير قطرى وصاحبت هذه التغيرات تغيرات مختلفة فى كثير من العادات والتقاليد وبالأخص منها فى كيفية الاحتفالات بمراسم الزواج وغيرها من المناسبات السارة والطارئة نتيجة هذه الطفرة وارتفاع نسبة التكاليف الباهظة على هذه المناسبات بشكل غير طبيعى وأيضا معها أشكال مختلفة من الاحتفالات التى لم تكن متداولة ومعتادا عليها قبل الطفرة ومنها مظاهر الاحتفال المتعددة بنجاح الأبناء سواء فى حصولهم على الشهادة الثانوية او الجامعية واضافة الى الاحتفال بأعياد الميلاد، وعند وصول أول مولود سواء كان ولدا أو بنتا أو بداية مشى المولود على أرجله وأصبحت تقام هذه الاحتفالات فى أفخم الفنادق الكبرى بالدولة والغالبية منهم يتصارع على اقامة احتفالات بصورة أفضل من الأخرى وحتى تكون حديث المدينة ما بين عائلتها أو صديقاتها فى المجتمع، وأصبحت هذه الاحتفالات تأخذ مظهرا من المكانة الاجتماعية والاقتصادية للفتاة والعائلة، وكل ذلك من المظاهر الترفيهية المصاحبة للطفرة امتد بشكل أكبر ولم يكن من المتوقع أن يشمل الشكل العام للعزاء عند وفاة أى شخص سواء كان كبيرا أو صغيرا فى أى عائلة بالمجتمع القطرى واختلفت فى الوقت الحالى طرق وانماط العزاء وأصبحت تأخذ تكاليف عالية من حيث الولائم والبوفيهات الفاخرة التى تعقد من ثلاثة أيام إلى أسبوع غير أشكال الضيافة المتعددة التى تقوم بضيافة العائلة والقادمين لتقديم العزاء، وهذا إلى جانب ما أصبحنا نراه ونسمعه من الآخرين عن طريقة لبس النساء الذاهبات للعزاء من ارتداء نوعية وشكل عباءة معينة تحمل فى معناها الفخامة وهذا غير التباهى باقتناء الشنط الماركات والحرص على ابرازها أمام باقى النساء، وما كنا نسمع عن مكياج خاص يوضع عند العزاء ومتعارف عليه مكياج بسيط وناعم، واضافة إلى عدم احترام العزاء وسواء كان المتوفى صغيرا أو كبيرا فى العمر والعظة والبكاء والتأثر أصبحنا لانراها إلا لحظة حضور المتوفى للسلام على أهل بيته وبعدها انقلب العزاء إلى مجال آخر تكثر فيه الحوارات والنقاشات الجانبية وغير المزح والضحك الذى نراه بشكل واضح غير استخدام الهواتف والأجهزة الالكترونية والتركيز بصورة أكبر ما بين من حضر ومن لم يحضر للعزاء وكم عدد المرات التى حضر إليها مقارنة عندما كان لديهن عزاء وذهبن أكثر من مرة إليهن. وإذا انتقلنا إلى الجانب الآخر من عزاء الرجال وابتداء من لحظة الدفن التى كان يرتعش فيها الصحابة من صعوبة الموقف ونزول الميت إلى قبره، اصبحنا نقف عند المقبرة ونضحك ونتحدث مع الآخرين ونتكلم بالهاتف وكأن شيئا لم يكن أمامنا ولا حتى نتذكر بأننا ستأتى علينا هذه اللحظة فى يوم من الأيام وغير مايحدث من تجهيزات فاخرة للخيام الملكية وتنفق مبالغ طائلة بجانب تكاليف عزاء النساء واضافة ما ينقل إلينا أن عزاء الرجال يكاد يكون على شكل اجتماعى وترفيهى وأحاديث جانبية وتجمعات شباب العائلة والأصدقاء فى أجواء عالية الفخامة، والتركيز بشكل خاص على أهم الشخصيات التى حضرت للعزاء ومقارنة بعزاء الآخرين ونتباهى به وكأنهم قادمون إلى مناسبة زواج وليس عزاء. واضافة إلى أن هناك البعض أصبح لا يأتى العزاء للأخذ بخاطر أسرة المتوفى ويكتفى بارسال رسالة عبر الهاتف وذلك لعدم الاهتمام واللامبالاة لأسرة المتوفى إذا كان من عائلة صغيرة أو ليست لها مكانة اجتماعية واقتصادية كبيرة. ومن جهة أخرى عدم اهتمام الوالدين باحضار أبنائهم والحرص على تعليمهم الواجبات الدينية والاجتماعية كما كان يفعل السابقون من الآباء والأجداد وعندما تتناقش فى هذا الأمر فيقال لك أبنائى صغار لايفهمون هذه الأمور وهناك الكثير من المواقف التى أصبحنا نراها ولا يمكننا النقاش فيها مع أحد وذلك لأنك ستسمع الرد بأنه أمر طبيعى وأنت من أى كوكب قادم منه ونتهم بأننا غير متحضرين فى الفكر ومواكبة العصر. نحن لسنا ضد التحولات الاقتصادية التى هلت على كل جوانب حياتنا الأسرية والعملية ولكن لابد أن نجيد فن التواكب معها واستخدامها الاستخدام الأمثل فى مظاهر الفرح والحزن وألا نبالغ فى المظاهر الاجتماعية والترفيهة والتى اكتسحت حياتنا مثل الاخطبوط وياليت بعد هذا الاحتلال الفكرى والنفسى نشعر بالسعادة ولكن نأمل فى المرحلة القادمة أن تكون هناك وقفة مع أنفسنا حتى لانفقد المسار الحقيقى ونخسر الدنيا والاخرة ونحن قادرون على ذلك.