11 سبتمبر 2025

تسجيل

سلامة القلوب

05 فبراير 2013

لاشك أن التفاخر وإبراز ما يمتلكه البعض عند ممن لا يمتلكون هذا الشيء أو ذاك على سبيل التباهي سيؤذي مشاعر الآخرين الذين لا يملكون ما يملك من مظاهر الثراء، وسيكتفون بمشاهدة هذا الطاووس والحسرة تتفاعل مع أحاسيسهم وتعزف ألحان الحزن في تناغم يشي بتلذذ بعض مرضى النفوس في إيذاء البعض الآخر معنوياً، ومهندس هذه اللذة وصانعها إبليس اللعين الذي سيستقر في جهنم، ويجر معه ما يستطيع جره ممن زالت مخافة الله من قلوبهم. إن مراعاة مشاعر الآخرين تسمو بالأخلاق الجميلة وتحلق بها نحو آفاق الإدراك المعرفي الواسع والإحاطة الأدبية الشاملة، فما برح عنصر الجهل يصول ويجول ويعيث في العقول فساداً، وتتعدد مصادر الجهل ومقوماته التي يتكئ عليها، والأدهى من ذلك كون دعائمه الرئيسة، تنبع تارة من أناس متعلمين، غير أن نزعة التميز وحب السيطرة تكاد تعمي القلوب التي في الصدور، ويدور في ذهني تساؤل لم أبرح مشغلاً تفكيري في البحث له عن إجابة، ويتمحور هذا التساؤل في سبب استشراء (العين) في مجتمعات وتضاؤل نسبة حدوثها في مجتمعات أخرى، وهذه المقايسة حتماً نسبية وقد تكون صحيحة أو غير ذلك، بيد أنه استقراء فرضي، في حين أن الإجابة ربما تكمن في طبيعة التعايش وصيغة التعامل واختلاف أنماطها من بلد لآخر أو من مجتمع لآخر، ودائماً ما نسمع حينما يقدم إنسان من بلاد الغرب إعجاباً بالبساطة التي يتحلى بها المجتمع الغربي، سواء كان ذلك من خلال اللباس أو الأثاث أو حتى الحوار بين الأطراف. وأكاد أجزم بأن من أسباب البساطة بهذا الخصوص عدا عن عدم إيذاء مشاعر الآخرين والاتسام بالخلق في هذه الناحية فإنها مؤشر للرقي والتطور ناهيك عن كونها الوسيلة الفعالة للحماية لتجنب الاختراق المهلك للعين وقانا الله وإياكم شرورها، وكما أشرت في المقدمة بأن إظهار التميز من حق كل شخص، إلا أنه يوجب كذلك احترام المشاعر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ قيمة وسلوك رفيع، ومن مظاهر الاستعلاء والفوقية انتشار الأمراض النفسية في أوساط المتغطرسين أنفسهم وإذا أضفت زخماً هائلاً من الوساوس فإن عيادات الطب النفسي ستمتلئ بهذه النماذج والبحث عن الرقية لمجرد الإحساس بأن ما أصابه أو أصابها عين وقد يكون هو المتسبب في حدوث هذا الأمر لظهوره بشكل ملفت أمام الناس، وهذه الإشكالية تحيلنا إلى موضوع من الأهمية بمكان ألا وهي صيغة التواصل وتتشكل الأنماط المختلفة لطبيعة التواصل بين الأفراد، عطفاً على الأدبيات التي يتكئ عليها المجتمع، وبكل أسف أقولها بأننا لا نتخلق بهذه الأدبيات التي صاغها لنا الإسلام العظيم في التعامل، فتجد التشبث بالشكليات والابتعاد كلياً عن المضامين في ظل غياب التآلف أو بالأحرى الانسجام بين الشكل والمضمون ويجسده كذلك بعض التصرفات التي لا ترقى إلى مستوى الالتزام بالمبدأ من حيث إدراك دوافعه وأسبابه الجالبة للخير، في الوقت الذي تجد فيه تبايناً حاداً في نمط التفكير والسلوك بين طرفين، وربما يكونا جارين ولكن برؤى مختلفة وأنماط متباينة في التفكير رغم أن مصدر الاستقاء واحد، إلا أن الالتزام بالأدبيات الخلاقة من مصدر التشريع الواحد، هو المحك للتفاعل مع المعطيات، وفقاً للتحلي بهذه الأدبيات، ولا ريب أن مظاهر التفرد والتميز تورث البغضاء الحاضنة للحسد والعياذ بالله، وفترة حضانة هذا الداء البغيض هي اللحظات القليلة بين النظرة الأولى الخالية من ذكر الله، وبين الشعور تجاه الشخص (المتفشخر) الذي يشوبهانوع من الحقد ونحو ذلك، ليوجه الحسد المقيت ضرباته الموجعة نحو خاصرة (المتفشخرين) وكما أشرت آنفا وما للبساطة من إيجابيات وكيف أنها تسهم في تطور الأمم ذلك أنها تحفز لبلوغ العلم والمعرفة لأنها ترتقي بقيمة الإنسان الذي كرمه المولى وخلقه في أحسن تقويم وشعور الإنسان بقيمته يعد دافعا لتفعيل التفكير في العقل وبالتالي فإن الإبداعات والابتكارت المتلاحقة حصيلة طبيعية لمجتمع واع ينحو إلى بلوغ آفاق المعالي، ومهما يكن من أمر فإن المتفشخر لم يرتكب إساءة توجب الرد على هذا النحو الموجع، غير أنه أي المتفشخر يتوجب عليه كذلك أن يؤثر طريق السلامة، وأن لا يعرض نفسه للنفوس الضعيفة فالحسود حتماً يعاني من مرض في القلب ولا يمكن شفاؤه إلا بالالتزام بالأخلاق الفاضلة، وبعيداً عن جهل المتفشخر وسوء أخلاق الحسود فإن هناك عوامل مشتركة كثيرة تجمع الأطراف في إطار التآخي والمحبة والمودة متى ما تمت تنقية المشاعر وفلترتها لتلفظ الشوائب المؤذية خارجاً، ويبقى القلب السليم ينبض بالعطاء الزاخر بالمحبة الصادقة، لتتلاقح المشاعر وتثمر عن مجتمع يسوق الأمثال للأجيال ويعبر بحس صادق عن مدى ارتباط ثقافتنا بالسلوك النبيل وتفعيله في كل مناحي الحياة، فهل هناك مكسب أكبر وأعز وأجمل من أن تأتي الله بقلب سليم؟ نسأل المولى أن يرزقنا سلامة القلوب إنه جواد كريم.