19 سبتمبر 2025
تسجيلينبغي ألا يشكل الشعور بالإحباط جسراً كئيباً يعبر من خلاله اليأس إلى القلوب المؤمنة، مفضياً إلى ضيق في الأفق وانحسار للمدارك، ولا يفتأ مساهماً في إصابة التفكير بالشلل، وانقطاع الأمل، وهذا الأمر قطعاً يتنافى مع الأخلاق والمبادئ والأمل بالله سبحانه لا ينقطع فلابد للأمل من فسحة. قال الشاعر: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ومن خلال النظرة السوداوية المتشائمة يبرز الضيق ويتسبب حتماً في ضياع كثير من المكاسب وجلب للخسائر في ضوء غياب الحكمة وظلالها التي ينبغي أن يتوافر منها الحد الذي يتيح التحلي بالمحافظة بكل ما تعنيه من مدلولات ليتفيأ ظلالها الفئات المنسجمة والمتفقه على حب الوطن والوفاء له، وفي كثير من ظروف القلق والضجر تفرز المعطيات على هذا النحو أعمالاً سيئة ولا تليق تنتجها الغفلة والتسرع والحماسة المفرطة لتؤدي في نهاية المطاف إلى التصدع كتمهيد سلس ليبسط عدو الله إبليس سيطرته وتنتهك الحرمات في لحظات ملؤها البؤس إلى هاوية الخطيئة وهكذا يثبت الأسى أقدامه بدلا من إيجاد دوافع رحيله والإعراض عن طلب الرحمة من المولى عز وجل، وعندما تتعدد القراءات يطفو على السطح أكثر من تفسير ويرتهن التصور لشتى القياسات، قصر النظر يهوي بالإنسان الضعيف غير القادر على نصرة نفسه متسبباً في تمرير المشاق عليه وعلى مجتمعه من غير قصد إذا لم يجد من يأخذ بيده لفهم الدور الحيوي والجميل الذي يمكن أن يصنع من خلاله اقتصادا قويا ويحافظ عليه، ولا ريب أن قوة الاقتصاد تجلب الرخاء في المعيشة، والمولى جلت قدرته خلق الإنسان وأحسن خلقه ووهبه العقل ليحافظ على نفسه وعلى مقدراته فكيف تجنح به الأهواء وتسهم في أعطال عقله والتفريط بمكتسباته وهو يدرك تماماً بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن دفع الضرر بضرر مثله يضاعف المشقة والعنت، وإذا كان الإلحاح أمرا مشروعاً ليخرجه المولى من ضيق هو فيه فإن ضبط النفس والتحلي بدرجة ممكنة من الحكمة والتحمل ستحيد به عن سلوك الرعونة والتهور حتى على مستوى التفكير، ومن المعلوم ما قد يفرزه هذا الشعور من جوانب سلبية تعيق بشكل أو بآخر مسيرة التنمية، إذ ينبغي أن يكون للتفاؤل مساحة أكبر في الأذهان وألا يُحاصر الواقع في زاوية ضيقة وفق محدودية التصور ناهيك عما يفرزه هذا الوضع من شعور سينعكس سلباً على حساب تحقيق التوازن في هذه المسألة بعيداً عن تأثير العقل ودور المنطق في التأثير والتأثر بالأحداث ما قد يفوت كثيراً من الفرص. أن التفريط بالمكتسبات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإرهاق الاقتصادي وما يترتب على ذلك من تبعات ليرزح الاقتصاد تحت وطأة الديون المرهقة والهيمنة الاقتصادية بأجندتها التي تحمل ما تحمله، إذ يتوجب والحالة هذه أن نكون على قدر كبير من اليقظة وأن نتفطن لهذا الأمر بأن نحسن تغليف مكتسباتنا الحضارية وموروثنا الثقافي كواجب وطني يحتمه صدق الانتماء وصفاء النية وسلامة القصد وحتى لا نقع تحت وطأة مراحل مقبلة لا يعلم مداها إلا الله وما قد تفرزه من مؤثرات سلبية، وحين تدور بالإنسان الدوائر وتضيق عليه المسائل فإنها ليست نهاية المطاف بل إن الوسائل تلو المسائل متاحة متسلحاً بالإلحاح بدعاء المولى عز وجل ومن ثم طرقه لوسائل مشروعة بعيداً عن إلحاق الأذى بنفسه أو لغيره، وغالباً ما تشكل العواطف نفقاً تلج من خلاله الشرور إلى أعماق النفس وبالتالي تطويعها كفعل ورد فعل من خلاله ينمو الأذى ويتغذى، إن رقي الأمم ينبثق من قوة أفرادها في التفاعل الخلاق والحرص واليقظة وحماية الأخلاق والتحلي بالمثالية في التمرير والتدبير والإنصاف في الرأي على نحو يثري القناعة بالرضا، المواطن الشريف لا يسرق وطنه بل يحميه ويحمي مكتسباته بكل ما أؤتي من قوة ومن يؤذي وطنه يؤذي أهله ولم يكن للوفاء إلا كحاطب ليل، الوطن هو الظل الوارف والحضن الدافئ هو البيت الكبير الذي نعيش بين أركانه. ولم يكن الإنسان ليبلغ مبلغا سواء في جانب التعليم، أو العمل، أو التجارة، بمعزل من بيئة تسانده وتقف إلى جانبه من حيث تهيئة السبل الكفيلة لتحقيق أهدافه من مراعاة لجوانب سلامته فهل يكون الوفاء إلا عنواناً بارزا للمواطنة الحقة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.