15 سبتمبر 2025
تسجيلبِقدرِ ما تكونُ الهِممُ يكون الطموح، وبذلك يُعرف الإِنسانُ، وبه يُكشفُ شخصه، ويبينُ معدنه، يقول الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس: «قيمة أي إنسان لا تتعدى قيمة طموحه»، فالمتقاعسون الكسالى لا يطمحون لأُفق أعلى من رؤوسهم، بل إنهم يطأطئون رؤوسهم مخافة النظر إلى أَعلى، أمَّا أصحابُ الهِمم العُليا فأولئكَ الذين يحوزون السَّبقَ في المعالي، والفضلَ في المكارم، فهم يملكون نفوساً وثَّابة لا تكادُ تقعُ في مقامٍ، حتى تطمحُ لما هو أعلى وأعظم منه، يقول عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: «تاقت نفسي إلى فاطمة بنت عبدالملك، فتزوّجتهَا، وتاقَت نفسي إلى الإمارة؛ فَولّيتهَا، وتاقت نفسي إلى الخلافة؛ فأدركتُها، وقد تَاقَت نفسي الآن إلى الجنّة، فأرجو أنْ أُدركهَا، إنْ شاء الله عزَّ وجلّ». الطامحون إلى المجدِ والعلياء هم الذين غيَّروا العالم لأنهم لا ينظرون إلى مواطئ أقدامهم، بل ينظرون إلى الأُفق البعيد، هنالك حيث تكون طموحاتهم العظيمة، يقول أبوالطيب المتنبي: إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ ويقول عنترة بن شدَّاد: ما زِلتُ مُرتَقِياً إِلى العَلياءِ حَتّى بَلَغتُ إِلى ذُرى الجَوزاءِ فَهُناكَ لا أَلوي عَلى مَن لامَني خَوفَ المَماتِ وَفُرقَةِ الأَحياءِ ولقد كان لدولة قطر طموحها العالي، ذلك الطموح الذي رآهُ البعضُ ضرباً من المستحيل، ورأته قطر ضرباً من الممكن، فالمستحيلُ لا يسكنُ إلا في العقول البليدة، والقلوب الضعيفة، أما الممكن فموطنه العقول الفطنة، والبصائر الأريبة. وإذا شئنا أن نتعمَّق في الدوافع التي كانت تتوخاها قطر من صناعة الطموح العالي من وجهةِ نظرنا لوجدنا جملةَ دوافع قيِّمة ومن ذلك: أولاً: أن قطر قد كوَّنت قناعةً بأن التاريخ لا تصنعهُ الطموحات المتواضعة، لأنها لا تكادُ تحرِّكُ ساكناً، ولا تحدثُ تغييراً مُلفتاً، أما الطموحات الكبيرة فهي التي تُحدث انعطافاً مُلفتاً في سيرورة التاريخ، وتغييراً مؤثراً في حياة الناس، لهذا اتخذت قرار «الطموح العالي» ليصنع تاريخاً لا يكون ما قبله كما بعده. ثانياً: أن قطر تملكُ من القدرات والكفاءات المميَّزة التي حباها الله بها، ولن يكون لهذه النِّعم من قيمةٍ إن لم توضع لها المطامح العُليا التي تختبرُ مدى مَكنة قدراتها، وميزةِ كفاءاتها، فالمطامح العُليا هي التي تبرهنُ على مستوى القدرات والكفاءات والإِمكانات، وهي التي تدلل على الروح العالية لاجتيازِ الصعاب، والعقبات، فالانطواءُ والعجزُ والانزواء والمشي في الظل إنما هي سمةُ الخاملين، وصفة العاجزين الذين لا يملكون حلماً، ولا طموحاً، وهذا يفقدهم سبب الحياة كما يقول الأديب الإنجليزي برنادشو، وأولئك سيعيشون في هوامش الحياة. يقول أبوالقاسم الشابي: وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر ثالثاً: أن قطر أرادت أن تؤسس قيماً لأبنائها، والأجيال المتلاحقة من الثقةِ بالنفس، والاعتداد بالعزيمة، والتطلُّع إلى معالي الأهداف، والجرأةِ في الإِقدام، فهذه القيم هي التي تُعلي القامات، وتُسمي التطلعات، وتشحنُ النفس بالعزائم والطاقات، ولا شك أن طريق المجد الرفيع وعرٌ وصعبٌ، ولكن النفوس الكبيرة تعرفُ ذلك يقيناً، وتؤمنُ به أكيداً، وفي ذلك يقول أبوالطيب المتنبي: وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ رابعاً: أن قطر كانت تملكُ القناعة بأن عليها أن تغيِّرَ صورةً مكرَّسةً في الغربِ والشرق تعبِّرُ عنها مقولة ميخائيل نعيمة: «الغرب رمز الطموح، والشرق رمز القناعة» فَلِم لا يكون الشرقُ رمز طموحٍ يضاهي به الغربَ بل يفوقه؟ هكذا كرَّست إيمانها بأنَّ عليها أن تغيِّر تلك الصورة النمطية التي ترسَّخت عند الغربي والعربي، وآمنت بقول الشاعر العباسي سلم الخاطري: مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً وَفازَ بِاللّذَّةِ الجَسورُ وها هي قطر بسببٍ من جسارتها في الطموح العالي فازت بلذة الإنجاز والنجاح الباهر لتنظيم أعظم مونديال كروي في التاريخ، لا يهم ما بُذل من مالٍ وجهدٍ وطاقات ولكن يهم الوصول إلى المطمح العظيم، يقول الشاعر المصري فاروق جويدة: «أصحاب الأحلام الكبيرة لا تهمهم متاعب الرحلة ولكن المهم أن يصلوا».