02 نوفمبر 2025

تسجيل

أهمية التفاصيل في حياتنا

05 يناير 2023

* يهتم كاتب الرواية بكتابة وحياكة تفاصيل الرواية، ورسم ملامح ابطالها وترابط أحداثها، وتحديد تفاصيل الشخصيات والغوص في أعماقها ليضعها في حروف الرواية بأدق التفاصيل، ابتداء في اختبار الأسماء وتفاصيل الملامح والالوان، ووصف المكان وتفاصيل الأثاث وألوانه ومحتويات الزوايا والاركان، نعيش ونستمع لتفاصيل نبرة الأصوات والضوضاء والشارع والأماكن وحفيف الشجر وتغريد الطيور. تفاصيل كل شيء لما يخدم روايته ويعتني بها لينقل مخيلة القارئ ليكون قارئا يرى الرواية ويعيشها، ليصل للبعض بالتعايش مع القصة وابطالها وشخصيتها لدقة وتفوق الكاتب في روايته وتفاصيلها المشوقة. * في حياة كل إنسان منا تفاصيل كثيرة ودقيقة تبدأ مع ميلاد الإنسان وتفاصيل ملامحه. وتفاصيل ترافق اختيار الاسم وتفاصيل غرفة استقباله وهدايا مولده والاعتناء بأدق ما فيها. * التفاصيل قانون مشاعر نختاره بإرادتنا ونريده أن يكون في حياتنا، وذاكرتنا وتعاملنا وأقوالنا، وحتى ردات أفعالنا، نجعل الأهمية لتفاصيل المكان الذي نكون فيه ومن فيه، وتفاصيل حضورنا وأناقتها، وتفاصيل كلماتنا وهمس أرواحنا وحديثنا الداخلي حتى وإن اخترنا الصمت وعجزنا عن البوح. * أن تهتم بكل تلك المعاني. معنى وإحساس عميق ومهم يعني أننا أولينا اللحظة التي نعيشها واحتوت وحملت تلك التفاصيل العناية والاهتمام الذي يليق بها لتكون بالصورة التي كانت عليها شكلا ومعنى، لتستقر لوحة رائعة متكاملة الشخوص بتفاصيلها في الذاكرة والقلب ولا يمكن أن تمحى أو أن يطالها تسارع الأيام وحركة السنوات. أو أنانية البشر!. * أن تكون من أولئك المهتمين بالتفاصيل وأهميتها وتجويدها؛ يعني أنك إنسان وفي وحساس وراق وعميق في زمن لا يقف ولا يستقر ويستغرق وقتا وجهدا، ولا يضيع ويضع ضمن أولوياته البحث عن أشياء ومكونات اللحظة بتفاصيلها ومشاعرها!. * أصبحت الشخصيات عملية سريعة الحركة! وسريعة الاختيار! لا ترى الا الصورة المتكاملة والتي تحقق نصف المشاعر! ولا تقف وتنصت الا لغاية تخدم مصلحتها! ولا تتذكر إلا تفاصيل من تجد عندهم منفعة! شخصيات لا يعنيها أن تلتفت للوراء ولا أن تتفحص ملامح وخوف أحد ممن غادرتهم أو تسببت في جرحهم!. * شخصيات عملية لا تعطي سمعها دقائق لإنصات نبرة صوت حزينة تعجز الحروف أن تتناسق لتكون جملة!. شخصيات تملك القدرة على ممارسة النسيان، وطمس آثار الذكرى في فكرها وحياتها ولا تجعل ولا تعرف معنى المشاعر والوفاء!. * لماذا لا نزال نقرأ أجمل ما كتب من قصائد ومعلقات وشعر غزل أو قصائد فقد؟ وأصدق ما جاء في أبياتها من تفاصيل دقيقة للمشاعر وعمقها من وفاء وحب وهيام ولوعة وعشق وشوق وألم وفقد، وحتى مشاعر الهجر والغدر؟! * لماذا نتذكر جمال قصائد جميل بثينة، وقيس ولبنى، وعنتر وعبلة، وحتى تفاصيل رسائل غسان كنفاني وغادة السمان؟ وعشق نزار وبلقيس وغيرها من رسائل وقصص وقصائد نشاهد فيها الملامح وجمالها، ونستمع لنبرة أصواتهم، ونستنشق فيها شذى عطر اللحظة بصدق وجمال التفاصيل التي كتبت وحيكت بخيوط الروح التي لا تبلى ولا تطالها حركة الزمان وحركة الأيام. * آخر جرة قلم: قد نصاب بخيبة أمل ووجع بأننا نعيش زمنا لا يعتني ولا يهتم بالتفاصيل وعمقها، ونكون ممن تعنيهم جمال التفاصيل واللحظة في كل شيء حولها ومعها وفي ذاكرتها. تفاصيل يوم بتاريخه، وتفاصيل مناسبة فرح نحرص على أن نجعل لشذى عطر خاص لها، وحروف بطاقة كتبت بقلم عزيز. وتفاصيل مكان بأجوائه وشخوصه وتداخل أصواته، وموسيقى تقطع صمت المكان وتتسلل إلى الضجيج ليكون لجمال المقطوعة السيطرة والإنصات. التفاصيل تعني دقة مشاعر حرصت على أن تكون بصدق روح مع روح تقدر تلك اللحظة والاهتمام والتفاصيل، ولا تستهزئ بها ولا تقلل من أهميتها المادية وشخصية عملية تسيطر عليها! ولا ترى كل تلك التفاصيل ولا تعنيها! عندما نهتم ونتذكر أدق التفاصيل في رحلة الأيام تلك التي عاشت وسكنت بلحظات الفكر. وعمق الروح. فإنها وفاء لتفاصيل رسمت بعناية للوحة متكاملة للحظات وتاريخ ووجوه ومواقف. نحرص على الاحتفاظ بها ذاكرة وكيانا ووجودا. قد تأتي لحظة يغادرنا الأفراد بأشكال الغياب والمغادرة ولا يبقى منهم إلا تلك التفاصيل التي تسكننا ونتذكرها ولا يمكن محوها أو نسيانها في ضجيج حياة وحركة بشر!.