15 سبتمبر 2025

تسجيل

المسؤوليـة عن الفعل وأبعادها التربوية

05 يناير 2015

الأصل الأساسي في التربية الإسلامية هو أن يكون بين الإنسان وربه اتصال دائم لا ينقطع، وأن يكون خوف الإنسان وحبه وتفويضه أمره إلى الله فقط فهو المرجع إليه ترجع الأمور كلها، وعلى العبد أن يعمل بكل أوامره وأحكامه في جميع لحظات الحياة. وتشرف عليه الهيئات التي ينشئها المجتمع لحماية النظم الدينية وتطبيق ما تقرره، وينتظم هذا النوع جميع المسؤوليات المنبعثة من تعاليم الدين، سواء ما تعلق منها بالعبادات وما تعلق منها بالمعاملات، وسواء أكانت متصلة بشؤون العبد مع ربه أم بشؤونه مع نفسه ومع غيره من أفراد مجتمعة وأفراد المجتمع الإنساني وسائر المخلوقات الأخرى، كما ينتظم جميع أنواع الجزاء المترتبة على هذه المسؤوليات، سواء ما كان منها ثوابًا عن طاعة، وما كان منها عقابًا على معصية، وسواء أكان حدوثها أو افتراض حدوثها متوقعًا في الحياة الدنيا أم في الآخرة أم فيهما معًا. ولاشك أن المؤمنين الذين وقفوا على حقيقة، الشرع الإسلامي، فهموا فهمًا صحيحًا، وهو أن الثواب والعقاب منوطان بإرادة الإنسان واختياره لأفعاله، بأفعال إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ذلك أن اختيار المرء لأفعاله وسلوكه، هو من البديهيات التي لا ينكرها عاقل، ومرد ذلك، أن الله منح الإنسان وسائل خاصة، تمكنه من تمييز الخير من الشر، إذ ركب الله في الإنسان ما يقرر به اختياره وهو العقل، وهداه به إلى إيثار الخير والابتعاد عن الشر.إن الإنسان مسؤول من أفعاله عملاً قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}.(المدثر/38) وعلى هذا يتقرر لدينا أن الشريعة الإسلامية، تسأل المرء عن أفعاله مسؤولية كاملة، إذا هو كامل الأهلية.فواجبات المسلم نحو ربه أهم واجباته وأسماها، لأنها تتعلق بخالقه الذي أوجد الإنسان وصوره، فأحسن تصويره وكرّمه وفضله على سائر مخلوقاته بإيمانه وتقواه، وجعله خليفة في الأرض ليعمرها ويقيم العدل فيها، قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}(التين/4). وقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء/70). وقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.(الحجرات/13)وترجع أهمية واجبات المسلم نحو ربه وأولويتها وأسبقيتها على بقية الواجبات من جهة أخرى إلى أنها تمثل القاعدة التي تقوم عليها جميع أعمال الإنسان وجميع واجباته الأخرى، فهي تتعلق بإيمان المسلم وبناء عقيدته وعواطفه واتجاهاته الدينية، وقيمه الخلقية المستمدة من مبادئ تعاليم دينه الإسلامي. وشأن المسلم الحق مع ربه: إيمان صادق عميق، وعمل صالح مستمر، وتطلع دائمًا إلى رضوانه، ويؤكد عبوديته له، ويحقق الهدف من وجوده في هذه الحياة، الذي حدده قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات/56).قال الإمام علي: "أُوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه تصيرون، اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، وأطيعوا الله ولا تقصروا كل امرئٍ مسؤول عما ملكت يمينه وعياله".** ** **المسـؤولية الفردية إن التوصل إلى السعادة المعنوية الأبوية في النظام الإسلامي يتوقف على عمل الشخص نفسه، بل إن المسؤولية الفردية تشكل أساس التعاليم الإسلامية، والتكاليف التي وضعها على عاتق الإنسان في جميع الشؤون الدينية والدنيوية يجب أن تؤدى بالعمل المباشر، وعلى الأساس نفسه يبتنى الثواب والعقاب(18: 346)، فالقرآن الكريم ينبه إلى {أن ليس للإنسان إلا ما سعى}(النجم/39) و{كل نفسٍ بما كسبت رهينة} (المدثر/38) و{من عمل صالحًا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(النحل/97).المسؤولية الأنا أو لذاته، إنه مسؤول عن نفسه بوصفه حالة وجود ونستعمل هنا كلمة المسؤولية بمعناها المبتذل وهو الشعور بأن المرء هو الفاعل الذي لاشك فيه لحادث أو شيء وبهذا المعنى فإن مسؤولية ما هو لذاته مسؤولية مرهقة لأنه هو من بواسطته يوجد عالم، ولما كان هو الذي يجعل نفسه موجودًا مهما يكن الموقف الذي يوجد فيه فإنه ما هو لذاته، ينبغي أن يتخذ تمامًا هذا الموقف مع معاملة من المضادة الخاصة حتى لو كان غير محتمل وعليه أن يتخذه مع الشعور المستكبر بأنه هو فاعله.المسؤوليـة الاجتماعيـة لكل مجتمع عادات وتقاليد حسنة أو سيئة تتحكم به، وقد لا يرى أفضل منها وأكمل عملاً بالفكرة القائلة: "ليس بالإمكان أبدع مما كان" حتى ولو كان ما هو كائن بالفعل جهلاً ورقًا ومرضًا وفقرًا، ويحتم بالمجتمع على كل فرد من أفراده أن يخضع لتقاليد وعاداته، ويعتبره مسؤولاً أمامه عنها.. وتسمى هذه المسؤولية اجتماعية. المسؤولية الأخلاقيـة ومصدرها الضمير والوجدان النقي الذي يستحسن من الخير ما يستحسن تلقائيًا، ويستهجن من الشر ما يستهجن بالفطرة، ويدرك أن هذا يجب أن يترك وذاك يجب أن يفعل، وقد يجعل الإنسان نفسه مسؤولاً بمحض اختياره كما لو ضمنت دينًا في ذمة غيرك، أو تكلفت بإحضار غريم متى طلب، أو.. إلخ.وهذه المسؤولية أخلاقية حيث يرتكز الحكم على الفاعل من نفس الفاعل ويكون هو السائل والمسؤول في آن واحد، والمسؤولية الأخلاقية وتقع في الأفعال الباطنة المكللة بالحياء، والعفة والوفاء وعدم الخيانة.