15 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة الفكر أم الأزمات

05 يناير 2012

أزمة الفكر هي أم الأزمات، والمشكلة في عالمنا العربي ليست في العقول، وإنما في استثمار تلك العقول، فالعقول في أمتنا موجودة وبكثرة، خاصة العقول المبدعة لكن غالبيتها هاجر إلى الدول الأجنبية، لأنها لم تجد الفرصة للتفكير بحرية، وممارسة إبداعها بحرية، وبعضها الآخر قابع في السجون بسبب الحكم الاستبدادي، وصنف ثالث قيدتها قلة المال وانعدام الفرص وعدم وجود إرادة حقيقية للتغيير. ما الفكر..؟ قرأت كثيراً وبحثت أكثر عن تعريف للفكر فلم أجد ما يعجبني، فاجتهدت أن أصوغ تعريفاً للفكر من وجهة نظري، كما أراه وأمارسه، وهو تعريف يستند إلى اللغة العربية، وقد أضفت إليه ما قاله المفكرون. فعرّفت الفكر على أنه "إعمال العقل في أمر ما، للوصول إلى رأي جديد فيه" فليس الفكر بحفظ للنصوص أو المتون، وليس هو كذلك بقراءة المطولات والمختصرات، فإذا لم أخرج بفكرة جديدة، فلست إلا مقلداً لمن سبقني. ويتم تصنيف المفكرين بحسب الموضوع الذي يُعمل فيه العقل، فمن أعمل عقله في مسألة اقتصادية وخرج برأي جديد، نسميه مفكراً اقتصادياً، ومن يعمل عقله في مسائل تربوية، نسميه مفكراً تربوياً، والذي يعمل عقله في قضايا السياسة ويخرج بنظريات وتحليلات سياسية، نسميه مفكراً سياسياً، وهكذا.. شمولية الفكر الفكر يشمل كثيراً من القضايا والمسائل، فهو يشمل قضايا العقيدة ومسائلها، كما يشمل القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان، وكذا الطموحات التي يسعى إلى تحقيقها في الحياة، بل وفهمه للحياة. وتحت الفكر تنضوي عملية تحليل الماضي، ودراسة الواقع من أجل استشراف المستقبل، وخلاصة القول إن الفكر يشمل الحياة كل الحياة، بشقيها الديني والدنيوي. وأنا أؤمن إيماناً عميقاً بأن هذه الأمة لن تنهض وتعز إلا بما نهضت وعزّت به في أيامها الأولى، وعصورها الذهبية، بالفكر الأصيل، المتمثل بالإسلام النقي الصافي، كما أؤمن إيماناً عميقاً بقدرتنا على منافسة الغرب، والتفوق عليه مع المحافظة على هويتنا، ودون أن نلبس ثوباً غير ثوبنا العربي الإسلامي الأصيل. خصائص الفكر الإسلامي إن السبيل إلى نهضة أمتنا هو الفكر الإسلامي الأصيل، ولن تنهض بالأفكار الدخيلة، ولا بالثقافة الغربية، وللفكر الإسلامي خصائص ميّزته عن غيره: (1) فكر حضاري فكر حضاري إنساني عادل متوازن، له هدف واضح يسعى لتحقيقه، وهو فكر عالمي يصلح لكل البشرية، وليس محصوراً في العرب والمسلمين فقط. (2) فكر عملي واقعي فكر طُبق عملياً وقابل للتطبيق من جديد، أما الأطروحات البشرية فكثير منها بقي مجرد أفكار، ولم تطبق عملياً على أرض الواقع، مثل فكرة المدينة الفاضلة التي نادى بها بعض الفلاسفة قديماً. (3) فكر عقلاني يتوافق مع العقل السليم، ولا يتصادم مع المنطق والعلم، بعكس الاجتهادات البشرية أو الأديان التي نال منها التحريف، مثل الديانة النصرانية التي تعارضت مع العقل والعلم، وقصة الصراع بين الكنيسة والعلم أشهر من أن تحتاج إلى إثبات أو دليل. (4) فكر متجدد مثله مثل النهر دائم الجريان ولا يتوقف، وليس ثابتاً كالبحيرة، ومن آثار تجدّده أن يتجاوب مع قضايا العصر، ومستجدات الحياة، فلا تجد أي قضية جديدة أو مسألة معاصرة، إلا وللإسلام فيها رأي أو حكم أو موقف. (5) فكر مرن وليس جامداً وعندما شبّهت الفكر الإسلامي بالنهر فأنا أعني ما أقول، فالنهر ليس خطاً، بل مساحة لها ضفتان، وكذا الفكر الإسلامي له حدود ذات اليمين وذات الشمال، وفيه خطوط كثيرة، بعضها أقرب إلى اليمين، وبعضها أقرب إلى اليسار، إذا تجاوزت إحداها دخلت في التفريط، وإذا تجاوزت الأخرى دخلت في الإفراط. التخطيط والفكر لا يمكن للنهضة أن تتم دون أن تُبنى على فكرة سليمة، ودون أن تقوم على تخطيط واضحٍ واعٍ، وكثير مما يقومون بالأعمال التنفيذية لا يقدّرون قيمة الفكر، ولا قيمة التخطيط الواضح والواعي، وأثرهما على النجاح والإنجاز والإنتاج، مع أن العلم الحديث والدراسات التي أُجريت تقول: إن كل ساعة واحدة نقضيها في التخطيط توفر علينا أربع ساعات عند التنفيذ، فالتخطيط ليس تضييعاً لوقت بل هو توفير له. إذا تكون عملية التخطيط فعّالة فلا بد أن تُبنى على فكر، وكلما كان الفكر سليماً كانت الخطة سليمة، وكذا المنهجية سليمة، وإذا اختل الفكر، فإن الخلل سيلحق بالخطة وبالمنهجية.