15 سبتمبر 2025
تسجيل" تصفير العدّاد" مصطلح ينتظر أن يدخل قاموس الديكتاتوريات العربية الحافل دوما بالمفاجآت التي تنغّص على الشعوب خياراتها الديمقراطية، وأحلامها بغد أفضل، وهذه المرة من البوابة اليمنية. المصطلح أطلقه رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي الحاكم حينما قال في تصريحات صحفية: إن حزبه يسعى إلى إلغاء الولايات الرئاسية لرئيس الدولة من قانون الانتخابات الحالي، من خلال "الانقلاب" على بعض مضامينه الجوهرية، والتي أطلق عليها "تعديلات"، وتشتمل على " تصفير العداد" وإعلان علي عبد الله صالح رئيساً مدى الحياة، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما شدّد على عدم الاكتفاء بـ " التصفير" بل إلى إلغاء " العداد" نهائيا، وتأييد رئيس الجمهورية اليمنية إلى الأبد، وهو ما اعتبرته المعارضة ـ ويعتبره كل مواطن عربي غيور على بلاده ومستقبلها ـ "إلغاء للديمقراطية " وتكريسا لـ "الحكم الفردي". من سوء حظ صاحب هذا المصطلح الذي تبارى به في إطار حلبة التزلف للحاكم مع أقرانه من "البطانة" أو "الحاشية" المحيطة به، كما يتضح، أن " تصفير" أو "إلغاء" العدادات يرتبطان بعالم السيارات بأحد أمرين: إما عدم العدل لأن عدّاد سيارات الأجرة إنما وضع لإنصاف الراكب من غش بعض السائقين أو جشع الأسعار التي يطلبونها لإيصال زبائنهم، أو لإنصاف الطرفين معا، أو بالغش حيث يعمد أصحاب بعض السيارات القديمة ـ ممن لا ذمة لهم ـ والتي استهلكت مركباتهم بقطع مسافات طويلة إلى تصفير عداداتها أو اللعب فيها لتظهر أنها قطعت مسافات أقل مما هو واقع حالها، ليسهم ذلك من ثَمَّ بتسعير قيمتها بمبالغ أكبر. رغم إطلاق هذا المصطلح للمرة الأولى إلا أنه لا جديد يذكر في جوهره، فقد سبقت إليه أنظمة رئاسية عربية هنا وهناك، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، تحت مسميات "التمديد" و "التأبيد"، بل تجاوزته إلى" التوريث"، وغيّروا من أجل سواد عيون الحاكمين، وقبل أن يرتد إليهم طرفهم، كل ما يلزم على مستوى القوانين بل والدساتير، وما زالت اللعبة مستمرة والأيام القادمة حبلى بها أكثر وأكثر على طريقة "إن لم تستح فاصنع ما شئت". من أكثر هذه الحالات وضوحا ما جرى في تونس، فقبل أن يمر عام واحد على التجديد الأخير للرئيس زين العابدين بن علي في أكتوبر 2009 تعالت صيحات جوقة "المطبّلين" في تونس ـ في شهر سبتمبر الماضي ـ مطالبة بتعديل الدستور بحيث تتاح الفرصة أمام الرئيس للترشح لولاية سادسة في انتخابات عام 2014. لا يتعلق الأمر بعدد مرات الولاية الرئاسية كما حدث قبل انتخابات عام 2004 فقد انتهى أمر عدد مرات الرئاسة في تعديلات أجريت عام 2002 جعلتها مفتوحة إلى ما لا نهاية، لكن المطلوب هذه المرة هو تغيير سن الترشح للرئاسة التي قضى التعديل السابق نفسه برفعها من سن السبعين التي كانت قد حددت بدورها في فترة سابقة من حكم بن علي لتصبح 75 عاما، بحيث مكّنته من الترشح للرئاسة عام 2009. المطلوب ممن لا يريدون ترجل الرئيس التونسي عن سدة الحكم في تونس هو رفع سن الترشح للرئاسة أو عدم تحديد سقفها حتى يكون بمقدوره دخول حلبة التنافس الرئاسي، حيث سيكون عمره 78 سنة في 2014. ما الفرق بين بن علي وبين سلفه بورقيبة الذي نحاه عام 1987.. فالملاحظ أن الخلف يسير على خطى سلفه تماما، رغم أنه يذكر في سيرته الذاتية الرسمية أنه قام بتعديلات دستورية لإلغاء " الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية"، لقد انقلب بن علي على ما يفترض أنه دعا إليه أو جاء من أجله، فقد عدّل عدد مرات ولاية الرئاسة لتكون أكثر من مرتين، والحد الأقصى للترشح للرئاسة من 70 سنة إلى 75 سنة، والنية تتجه إلى رفعها إلى أكثر من ذلك أو عدم تحديد سقف لها.. ولو سارت رياح بن علي كما يريد فإنه في نهاية ولايته القادمة من (2014 ـ 2019) سيكون عمره 83 سنة، بينما نحي سلفه في عمر 84 سنة، وفيما مكث سلفه 36 سنة في الحكم، سيمكث هو 32 سنة. "تصفير عدادات" الرئاسة حالة تستنسخ من نظام رئاسي لآخر، والصورة تتكرر بأكثر من مصطلح وقالب، منذ السبعينيات من القرن الماضي على الأقل، إنما المحزن ونحن نستهل عاما جديدا (2011) أن ندلف من سنة لأخرى بينما لا تزال الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية مسدودة أمام مواطننا العربي، دون أن تلوح أية بارقة أمل في التغيير وإصلاح أوضاع البلاد والعباد. تحت رماد " التمديد" و " التأبيد" خصوصا أنه يرتبط بواقع تزداد فيه الأحوال بؤسا، ورقعة الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري اتساعا، نار جمر مستعرة، كشفت أحداث " سيدي بو زيد" عن جزء بسيط منها، بينما ستكون الصورة في صنعاء أو عدن أو حجة أو صعدة أكثر تفجرا وغيظا، والحال تنسحب على مدن أخرى من عالمنا العربي، والعاقل من اتعظ بغيره قبل فوات الأوان.