12 سبتمبر 2025

تسجيل

لُغتنا العربية والتشْويه !!

04 ديسمبر 2019

  لم تمرّ على الأمّةِ العربية، في عصورِها المختلفة، مَرحلةٌ، مثل هذه المرحلة الاتصالية الإلكترونية، والتي عبَثت بتُراث هذه اللغة، وحوّلتها إلى " مَسخ" في كثير من الظروف!؟ فما نقرأهُ عبر وسائل التواصل، هذه الأيام، ينعكسُ على أجوبة الامتحانات في الكليات والجامعات؛ لذلك نجدُ العديدَ من الطلبة والطالبات ينفرون من الأسئلة المقالية، أو التكليفات الكتابية والتقارير، ويُفضّلون أسئلة ( صح/ خطأ)، ذلك أنهم لم يتأسَّسوا تأسيساً سليماً ما قبل مرحلة الجامعة، وقد يكون هؤلاء الطلبة، والطالبات غيرَ مسؤولين عن هذا الخلل !؟ إن القرآن الكريم، هو الحافظ للغةِ العربية، وهو اللسانُ العربي الفصيح، وهو المرجعيةُ الأولى في ضَبط النحو والصرف، فإذا لم يُتقن المرءُ العربيُ المُسلمُ اللسانَ العربي، فكيف سيقرأ سورَ القرآن الكريم؟! نعم قد يحفظها عن ظَهر قلب، من كثرة الترديد في الصلاة، لكنه سيواجه مشكلةً عندما يكتب تلك السور!؟ فمثلاً، كيف سيقرأ هذا الإنسان، " ولم يكُن جبّاراً عصيًا" (مريم، 14)، أو " والذين يقولون ربّنا اصرِف عنّا عذابَ جَهَنّمَّ إن عذابَها كان غراما"، (الفرقان، 65). فلئن ذهبنا إلى مدرسة " المُحَورين" في اللغة سوف نكتب (جبّارا) هكذا (جبّارن)، وكذلك الحالُ مع كلمة (غراماً)، هكذا(غرامن)!؟ وهنالك العديد من الوقفات مع آيات القرآن الكريم، والتي كثيراً ما تَتشوهُ عند كتابتها من بعض الذين لا يُتقنون اللغة العربية. ولعلَّ سائلاً يأتي ليقول: وما الحل؟؟ وهذا سؤال مشروع وحيّوي! إن مسؤوليتنا جميعاً أن نحمي لغتنا العربية، ونحن نعلم، أن بعضَ الشعوب التي تلاشت واضمحلَّ تُراثُها وحضارتُها كان بسبب إهمالها للغتِها الأصلية!؟ لأن اللغة هي الحاضنة لجميع أشكال تراثِ أية أمَة، والوعاء الذي تتشكَّلُ فيه ملامحُ الحضارة، والعلوم، والآداب، والفنون الماديّة وغير الماديّة. لذا، فإن الحفاظ على اللغة العربية من الأولويات التي يجب أن تحافظ عليها الأسرةُ في المقام الأول. وخاصة الأم، التي تترك أطفالَها لساعاتٍ طويلة مع الشغالة غير الناطقة باللغة العربية، خصوصاً في مرحلة تشُكل الوعي اللفظي لدى الطفل. فإذا ما أضفنا عددَ ساعات الروضة أو المدرسة، إلى ما يقضيه الطفل مع الشغالة في المنزل لوجدنا الآتي ( 6 +3 مساء+ 2 صباحاً = 11 ساعة يقضيها الطفل مع الشغالة !؟ ماذا بقي من الـ 24 ساعة، إذا افترضنا أن الطفلَ ينام 9 ساعات يومياً؟ 11+9 = 20 ساعة، وإذا ما خصَّصنا ساعاتٍ لمراجعة الطفل لدروسه، ولعبه في حوالي 3 ساعات!؟ لكان الباقي ساعة واحدة، وهذه (حسبة) بسيطة وتلقائية، بالطبع قد تقوم الأمُّ بمراجعة الدروس مع الطفل، ولكن هنالك فرقاً شاسعاً بين مدة بقاء الطفل مع الشغالة، وبين بقائه مع الأم ! إذن، فالمسألة تقعُ على عاتق الأسرة، ولا بد أن تُخصِّص الأمُّ أو الأمُّ والأبُ معاً، وقتاً، يومياً، للبقاء مع أبنائهما، كي يتعلّموا السلوكَ القويم، والعادات والتقاليد، ويقومان بترجمة الكلمات الإنجليزية التي يتحدث بها هؤلاء الأطفال، وأن يتعرَّف الطفلُ، عبر الصور، على الملامح الوطنية المحلية، وتلك المتعلقة بالأمة العربية والإسلامية. وهذا أفضل من قضاء الأب خارج المنزل في عمله أو في مجالسَ مع أصدقائه، وبقاء الأم خارج المنزل في زيارات عائلية أو المرور على المولات. إن تناول وجبة الإفطار مع الطفل أفضل بكثير من تناولها في مطاعم المولات!؟ ونحن ندرك أن الأم ( مدرسة)!! وهذا يختصر كلاماً كثيراً عن التربية الأسرية!؟ فالطفل الذي يقوم بتصرفات غير لائقة، أو تالفة لمكونات المنزل، أو تُعرّضهُ للخطر، لا بد وأن يُلفت نظره، حتى لا يكبر وهو يُكرر نفسَ الأخطاء. الأمر الثاني في شيوع هذه الأخطاء العديدة في اللغة العربية، هو عدم إكمال الشاب / الرجل، لدراسته، أو أنه أكملَ الثانوية (بالدّز)، أي كان نجاحهُ مُتعثِّراً. وقد يكون ذاكَرَ المادة كي يحصل على الدرجة، دون أن يحفلَ بأن تترسَّخَ المادةُ أو المعلومةُ في عقله، ويزيد في هذا، عدمُ قراءة هذا الشاب / الرجل للكتب أو المقالات أو القصص، التي يُمكن أن تدعَم جودةَ الإملاء لديه. فما بالكم إن جاء شخصٌ (من هذه النوعية) وطبع كتاباً، وهو لا يعرف النحو والصرف، بل ولا يفرِّق بين المثنى والجمع، أو جمع المؤنث أو المثنى المؤنث، أو الممنوع من الصرف !؟ الأمر الثالث هو هيئات التعليم، ولقد مرَّ التعليمُ – لدينا – بمُنعرجاتٍ عدّة، لا نودّ الخوض فيها في هذا المقام. ولكن ما تتطلبه المرحلة الحالية، في ظلِّ ضعفِ اللغة لدى كثيرين، خصوصاً طلّابنا وطالباتنا، أن تعود حصَصُ الإملاء والإنشاء والخطِّ في مناهجنا!؟ صَدّقوني، هذه ليست دعوة " نكوصية" إلى الوراء، بقدر ما هي وسيلة لإنقاذ الجيل من هذا الوهن الظاهر في اللغة العربية. نعم، إن جيل السبعينيات، لم يتعلّم اللغة إلا عَبر مواد الإملاء والإنشاء والخط، لأن تكرارَ الكلمة، وتصحيحَ الأستاذ للخطأ، أمام الطالب، سوف يُرسّخ الكلمة في ذهن الطالب، ولا بأس من أن يطلب المدرسُ من الطالب، كتابة الكلمة الخطأ (مائة مرة) في المنزل. قد تكون المراحل السابقة أهملت توظيفَ المُدرسين الأكفاء لتعليم اللغة العربية، إذ أن عملية توصيل المادة، عبر الاتصال الجيد، ولغة الجَسد الناجحة، من الأمور المُهمَّة في تعليم اللغة، حتى وإن كان المُدرس يحمل مؤهلاً في التربية. كما أن الوعيد والتهديد من قِبل المُدرس للطالب، يجعل هذا الأخير ينفرُ من المادة ؛ بعضُنا لم يتعلم اللغةَ كلَّها في الفصل، بل خارج الفصل، في نقاشاتِ الأصدقاء، وأحياناً عبر مُدرسٍ مُتخصِّص، ليست عليه أعباءٌ وواجباتٌ مُنهِكةٌ في اليوم. وفي المرحلة الجامعية، بكلية الآداب/ جامعة بيروت العربية، أذكرُ كُنا نتناقش – ونحن ثلاثة من قسم اللغة العربية – حتى ساعات الصباح الأولى، نُحلِّلُ، ونُفسّرُ، ونُثبت الحجةَ في مسألة النحو والصرف. وكان ذاك النقاشُ يُرسّخ المادةَ في عقولنا، ويجعلنا نستحضرُها في الامتحان. وهنا يُمكن أن نقترحَ أن يكون هنالك نادٍ للغة العربية في كلِّ مدرسةٍ وكلِّ كليةٍ وكل جامعة، وأن تُقام في النادي دوراتٌ وورشُ عملٍ، بهدف ترسيخ اللغة العربية، وتجنُب الأخطاء في كتابتها. ويُمكنُ أن يتمَّ تحويلُ كتاب اللغة (النحو والصرف والإملاء) إلى شكلٍ بصري ( فيديو وشرائح)، لأن العين، في هذه الأيام، التي يعتمدُ أهلُها على الشكل البصري، تكون أقوى في ترسيخ الكلمة الصحيحة في ذهن الطالب. الأمر الرابع في هذه القضية هو القراءة !؟ إن القراءة عاملٌ مهمٌّ في إتقان اللغة. ونحن نعلم، من التجارب القريبة، أن هنالك نسبة لا تجاوز 5% من طلابنا يقرَؤون كتباً خارج المنهج، وتلك إشكالية كبرى، تتشارك الأسرة ُفي حلّها مع هيئاتِ التعليم، والمراكز الشبابية والنوادي. و" شكرن "، أقصد شكراً!؟