20 سبتمبر 2025

تسجيل

فقر التاريخ العربي

04 ديسمبر 2019

الخروج الآمن أو القتل حتى السحل هما البعدان اللذان يتحرك تاريخنا العربي المضطرب بينهما، في الوسط ثمة فراغ ملحوظ للمساءلة القانونية، أو لتحمل المسؤولية بشجاعة إذا ما استثنينا نماذج فردية قليلة لا تعد، لا وجود لثقافة الاعتراف أو الاعتذار، لا حضور للمراجعة الذاتية. القتل حتى السحل يكاد يكون سمة واضحة في تاريخنا العربي قديمه وحديثه، إلا أن منظومة الخروج الآمن جديدة عليه بعض الشيء، كيف يخرج آمناً من أهدر الدماء وأسالها أنهاراً تجري، كيف يخرج آمناً من تسبب في تعطيل حياة الملايين لا لشيء سوى لتشبثه بكرسي الحكم أو لتنصيب ولده خليفة له، إذا كان تاريخنا قد ابتدع السحل سابقاً فإنه يبتدع ماهو أشنع منه حاضراً يترك القاتل بل يحميه ودموع أهل الضحايا بالملايين تعايشه حياً يمر في أسواقها ويظهر بين جنباتها أينما نظرت، ما الذي جعل من تاريخنا نشازاً في حكمه وفي حاكميه؟ ما الذي جعله يبتدع للظالم مخبأ وللقاتل جداراً يستتر خلفه؟ للإجابة على ذلك لابد من الاعتراف بفقر تاريخنا العربي للنموذج السياسي وللتجربة وللفقه السياسي الإنساني الحقيقي كتيار عام، كانت خصوصيته في نموذج المستبد العادل وفقه السياسة السلطانية التي تبرر للسلطان ما ليس للرحمن، تأصل الاستبداد حتى أصبح سلوكاً يومياً للشارع، الحاكم يستوى فيه والمحكوم، حتى أن المحكوم يستوي قبل الحاكم في الدفاع عنه، تماهت الضحية مع الجلاد حتى أصبحت تبتسم وسكينه على رقبتها، من ينادي اليوم بخروج الظلمة آمنين دون عقاب أو جزاء هم ضحايا ثقافة الاستبداد العربية التي رأت في الظلم شيمة من شيم النفوس الكريمة، استطاعت هذه السياسة أن ترسخ للظلم والاستبداد ليكون نمط حياة، فالإنسان في نظرها إما ظالم أو مظلوم، فبالتالي الأفضل أن يكون ظالماً لأنها درجة أرفع طالما لا معيار آخر يمكن الاحتكام إليه بالرغم من ثقل المحتوى الديني لثقافتنا الدينية إلا أنه مجير لصالح القوة والظلم حتى في مكان وزمان الرحمة والعدل. اليوم تجري مأسسة هذه الثقافة لتدخل في قاموسنا السياسي الحديث تحت مسمى الخروج الآمن وستندرج غداً ضمن أدبيات الجامعة العربية مصدره من رؤى مجلس التعاون الخليجي الذي كان له السبق في ابتداعها رغم أن ظروفه لم تصل بعد لتطبيقها محلياً قد تبدو تصوراً ممكناً قبل الانغماس في الدم حتى الركب، ولكنه افتراء على السماء والأرض بعد ذلك. على كل حال فهي رؤية خليجية متقدمة لوضع عربي متأخر جدا فهي قد تصلح هنا اليوم، لكن لا يمكن أن تصلح هناك. [email protected]