10 سبتمبر 2025

تسجيل

يوم الصمت

04 ديسمبر 2012

في الأيام السابقة التي مضت كان الجو مشمسا بنسمات باردة لطيفة جعلتني أستطيع أن أستمتع قليلا بالمشي في حديقة الهايد بارك وأستمتع بمناظر رائعة تتحدث عن نفسها عندما لبست الأشجار ثوب الخريف وكست العشب أوراق تساقطت تحمل اللون الأصفر بدرجاته، مما جعلني ألتقط مجموعة من الصور الرائعة وأصاب بالحيرة في وضع أيها كصورة للعرض في هاتفي. دخلت إلى مقهى الحديقة المطل على الماء، وطلبت قطعة من الكعك الإنجليزي مع كوب من الشاي، كان المقهى يسوده الهدوء على غير عادته وربما كان ذلك بسبب أنه يوم عادي ولسنا في عطلة نهاية الأسبوع. أخذت الطلب وذهبت لأختار طاولة مناسبة أجلس عليها، ولاحظت أن كل الطاولات تقريبا تضم زوجا وزوجته من مراحل عمرية مختلفة، وأخذت أستمتع برشفات الشاي التي جعلتني أشعر بالحرج فيبدو أن صوتها قد خدش ما نحن فيه من صمت، فالمكان يحتظر بصمت قاتل على غير عادته، وبأزواج وزوجات يجلسون بلا أي نوع من الأحاديث، وأخذت أنظر إلى الطاولات، فقد كان الزوج وزوجته في احدى الطاولات يجلسان بجانب بعضهما وينظران للخارج من خلال الزجاج وكأنهما يجلسان بقاعة للسينما محظور فيها الحديث، وعلى طاولة أخرى كان الزوجان العربيان الشابان، يبدوان كل في عالمه مع هاتفه يبحث عن شيء ما، بينما طفلهما يغط في عربته في نوم عميق وفي سلام وهدوء تام. وعلى طاولة بجانبي زوجان يعيشان الكآبة وينقلانها للرائي يشربان القهوة في صمت، وعلى الطاولة البعيدة زوجان ترتسم على وجهيهما معالم الغضب وكأن كلا منهما سوف ينقض على الآخر في أي لحظة. والغريب أن صمت الأزواج يستمر أحيانا حتى مع محاولات استدعاء الحديث والمتعة والفرح، كأن يأتي زوجان إلى الحديقة ليقضيا بعض الوقت اللطيف معا يشربان القهوة ويتبادلان الأحاديث فيكون الصمت المطبق هو سيد الموقف حتى نهاية الرحلة، حيث يعود ويستأنف نشاطه في المنزل. وطالما اعتقدت بقوة بوصول أي زواج إلى مرحلة يسود فيها الصمت الزوجي الذي قد يتعلق ببعض المشاكل الأسرية التي تحتاج لحلول خاصة، وقد لا يكون للصمت بين الأزواج إلا سبب واحد وهو الشعور بأنه لم يعد هناك شيء ليقال، وقد يكون الصمت هو السكون الذي يأتي بعد عواصف الحياة، وفي كل الأحوال فهو من يقود الزوجين حتما إلى مقبرة الزواج لوأده وهما أحياء. وما زلت ممن يعتقد أن المرأة هي المسؤولة الأولى التي يقع على عاتقها محاولة كسر الصمت الزوجي الذي لا سبب له، فهي من تنطلق بالأحاديث التي لا تنتهي مع صديقاتها وأقاربها، وهي من عليها أن تتحدث وإن لم يتحدث هو. فقد كانت قصة الأسطورة القديمة عن الملك شهريار الذي كان يقتل زوجة في كل ليلة، حتى تزوج بشهرزاد التي استطاعت أن تملأ لياليه بالأحاديث، ورغم انه كان صامتا إلا أنه كان مستمتعا، وقد أصبح معتادا على وجودها. وقد كادت تقتل كما قتلت الأخريات لولا فنها في التلاعب في الحديث، واختراع الجديد منه. فالصمت القاتل دائما ما يجر الحياة إلى الملل الذي يستطيع أن يوصل الإنسان لنوع من الاكتئاب الذي يجعله يفقد الرغبة حتى في الحياة نفسها. ولنا جميعا.. جميل أن نكسر الصمت من حولنا، وأن ننعش نفوسنا بلغة الكلمات كي يغمرنا صخب الحياة.