19 سبتمبر 2025

تسجيل

صناعة «الوهم» الثقافي

04 نوفمبر 2018

في زحمة التكالب، والتسرّع نحو الشهرة، وحبّ الظهور في المنصّات الإعلامية. وفي ظل تلهُّف بعض المؤسسات القائمة على النشر، نحو تحقيق الأرباح، واعتبار الكتابة أمرًا سهلًا، مهما كان مستوى هذه الكتابة، وجدنا هنالك من يصنع « الوهم» في مجال الثقافة، ويبيعه للناس، دونما أدنى مسؤولية أو خجل أخلاقي، بل وجدنا، لاعتبارات إعلامية وضجيج ترويجي، أن هنالك مؤسسات لا علاقة لها بالثقافة تُنظم مؤتمرات ودورات للشباب الصغار، في مجال الكتابة، داخل سياق وسياج منفصل عن الحركة الثقافية في البلاد، وإبعاد المؤلفين والمثقفين المُخضرمين، والذين لهم خبرة طويلة في مجال الكتابة، ما يُمكن أن يختصروا المسافة على الشباب، وما يُمكن أن يُعمِّق روح الكتابة لديهم. ولقد قامت مراكز رسمية وغير رسمية بالترويج لكتبٍ متواضعة، يحتاج كُتّابها لسنوات من الخبرة كي يخرجوا كتبًا ناضجة، بل إن بعض هذه المراكز تنظم دورات لكتابة الرواية، يحاضر فيها شباب لم يتعدوا سن الجامعة، وهذا لا يجوز بتاتًا، لأن تجربة هؤلاء قاصرة، وإن تمتعوا بمتابعين من المراهقين والمراهقات. ولا بد من أن تقوم الجهات المختصة، بملاحظة ما يتم من نشاطات في تلك المراكز التي يتبع بعضها وزارة الثقافة والرياضة!ّ؟ لأن النشء إذا ما تعلّم على الأخطاء، فإنه سوف يكررها عندما يكتب، وهذا أيضًا سلوك من « بيع الوهم الثقافي» لا نرضاهُ لشبابنا. أخبرني صديق عربي مثقف، يعيش في قطر، عن همومه مع بعض المؤسسات، التي تُعنى بالثقافة أو التأليف، أنه كان يُنبَذ جرّاء صراحته في الحُكم على بعض الأعمال المتواضعة التي تُعرض عليه! كما أنهم ينفرون من جدّيته في قول كلمة الحق، بشأن الأعمال الكتابية المتواضعة، عندما يستعينون به لتقييم بعض الأعمال، وكانوا يَردّونه ولا يقبلون آراءهُ المستنيرة، وتدقيقه، ليس في قضايا النحو والصرف، بل في كشف عدم نضوج الفكرة التي يتحدث عنها الكتاب، وعدم انضباط العبارات والألفاظ، وعدم تحقُّق الوحدة الموضوعية في النص. ولأنه صريح، ولا يُجامل، فقد تم استبعاده من ذاك التعاون، وقرَّر مشاهدة المسرح الثقافي صامتًا. لقد زادني الأخ العربي همًّا على همّ، لأننا – في حقيقة الأمر- نعيش «فوضى» ثقافية لا حدود لها! فشابٌّ لم يصل عمره إلى 18 عامًا، نجده يُحاضر عن الرواية، أو يقوم بتدريب غيره على الكتابة!؟ فهذا الشاب لم يكتمل فيزيائيًا، فكيف يتأهّل للمحاضرات، وهو لم يكتمل فكريًا؟ فكم كتاب أو رواية قرأها هذا الشاب؟ وكم ندوة حضرها، وهل اطّلع على نماذج الأدب العالمي؟ لأنه سنّه لا يسمح له بذلك! وهنالك مَن يقف وراء الإنتاج الرديء! ففي كلّ معرض للكتاب، أجدنُي أمام إنتاج متواضع، لبعض قليلي الخبرة، من الشباب، الذين تقوم بعضُ دور النشر، بنشر أعمالهم، دونما تدقيق، فنلاحظ أخطاءً فادحة في نصوصهم. فمن أغرب ما قرأت لشابٍّ غضٍّ، أصدر كتابًا في معرض الدوحة للكتاب، في العام الماضي، وقد ينوي أن يُصدر كتابين للمعرض القادم، دون أن يُطلعهُ أحدٌ على الأخطاء التي وردت في كتابه الأول، ومنها: * يبلغ من العمر (عشرون) ربيعًا - الصواب: عشرين (لأنه مفعول به) * في حسبان ( أبناءكم ) - الصواب: أبنائكم (مضاف إليه) * (أفرض) سيطرتك - الصواب: افرض ( همزة وصل) * وطأت ( قدمي) - الصواب: قدماي ( لأنه فاعل مثنى) * أن يقترب (إلى) - الصواب: (مني) * صاحب (الحذاءان) - الصواب: الحذاءين ( لأنه مضاف إليه) * اللسان الذي ( أتبرئ) - الصواب: أتبرأ * براءة (الثعلب) من دم يوسف - الصواب: (الذئب) كما ورد في القرآن الكريم * لا زالت (قدمي) - الصواب: ما زالت قدماي ( لأنها فاعل) * ليخلق (ألحانٍ) جميلة - الصواب: ألحانًا ( مفعول به منصوب) * اتحمل (عبئ) - الصواب: عبءَ * أن أنسى (شخص معتوه) - الصواب: شخصًا معتوهًا ( لأنه مفعول به) * يجب أن يكون (ملتزم) - الصواب: ملتزمًا ( خبر كان منصوب) * أرى (شخص هزيل) - الصواب: شخصًا هزيلًا ( مفعول به ) * (الزوجين ذاتهم يدعوني ) - الصواب: الزوجان ذاتهما يدعياني ( الزوجان فاعل مرفوع بالألف، لأنهما مثنى لا يجوز أن نقول ذاتهم بالجمع) * سيكون مصيري (غامض) - الصواب: غامضًا ( خبر كان منصوب) * وكأن الدم لم (يسري) - الصواب: لم يَسْرِ (لأنها مجزومة بلم، فنحذف * حرف العلة. بالله عليكم، هل من المفيد إن نبيع « الوهم» لشابّ يكتب بهذه الطريقة ؟ ونوهمهُ بأنه قد أصبح مؤلفًا كبيرًا، وتُفتح له أبواب المحطات، ووسائل التواصل؟ هذا الشاب لم يتمكن من اللغة، ولا من نضج الأفكار، ولا يعرف (خبر كان، ولم الجزم، ولا المثنى، ولا حتى المفعول به، ولقد سارت جميع صفحات « روايتة» – التي احتوت 110 صفحات - على هذا المنوال من الأخطاء الفادحة! وإذا كانت دار النشر تُريد تشجيعَ مثل هذا الكاتب، الذي قد تكون لديه موهبة، كان لا بد وأن تعرض كتابَه على مُصحِّح لغويّ، بل تدع الشاب يجلس من المُصحِّح، كي يُطلعهُ على مواقع أخطائه، حتى لا يُكرِّرها ثانية. والأنكى أن كتابه هذا هو طبعة ثانية لذات الكتاب؟ كما جاء على الغلافّ؟ أليس في هذا المثال حجّة لما ذهبنا إليه من أننا نعيش «فوضى ثقافية»!؟ ومن ملاحظات النشر، ولقد وجدتها في أكثر من مؤلَف، عدم تفريق الكاتب بين الجمع والمُثنى، كأن يقول أحدهم: * «عاشرتُ السمراء، وأحبّتني البيضاء، وغارت الشقراء والحمراء، جميعهن، كانوا يسعون لهدف معين، اختلفوا بين المال والعمل والشهرة»، فنلاحظ هنا أن خبرة ومعرفة الكاتب في الضمائر ومدلولاتها محدودة!؟ ولقد قام بجمع المؤنث على أنه مُذكر، وكان الأولى أن يكتب (كُنّ يسعين، اختلفن، وهكذا) * كما أن الخطاب الوعظي، وحشرَ جُملٍ لا علاقة لها في الموضوع، تغلب على كثير من الإصدارات، التي عاصرتها خلال الخمس سنوات الماضية، بل أحيانًا يلاحظ القارئ أن الكاتب جمعَ بعض الآيات الكريمة أو الأمثال أو الحِكم، وأقام عليها بناء الكتاب!؟ وهذا توجّهٌ غير حميد في مجال التأليف، ولا يقترب من الإبداع الذي نحن بصدده. الثقافة لا يجب أن تُبنى على بيع « الوهم»، والشطارة في التأليف لا بد أن تعتمد على الإبداع، وسعة الخيال وغزارة الإطلاع ! نُكرر، نحن لسنا ضد الشاب الذي يريد أن يكون مؤلفًا في المستقبل، بل نُشجِّعه بألا نسمح له بتكرار أخطائه، وأن نوجّهَهُ الوجهَة السليمة، حتى يتأسس تأسيسًا صحيحًا، ويُصبح قادرًا على مواجهة الأسئلة الصعبة، عندما يُصدر الكتاب الخامس أو السادس. كما أن ظاهرة إصدار ثلاثة أو أربعة كتب في العام لكاتبة واحدة، كما نقرأ في الصفحات الإعلانية للثقافة، لا يُمكن أن تكون ظاهرة صحية، بقدر ما هي « إدرارٌ» غير محسوب، لتكرار الضعف وتوزيعه على الناس.