19 سبتمبر 2025
تسجيللاشك أن الحوارات المختلفة والمقابلات التي تتم بين الأشخاص بل وصيغة التعامل مع الآخرين تشكل محوراً بارزا ومضيئاً حينما تفرز سلوكاً حضارياً بحسن نية وبلباقة توحي برقي في الفكر والثقافة ، اللباقة صفة جميلة وتعبر بصدق عن روعة ورقة من يتصف بها، بل إنها توحي بسعة أفقه، وبعد نظره، حين يسطر الوعي حروفاً من ذهب في سجل اللّبِق، هذا الإنسان الذي ترافقه الابتسامة أينما حل وارتحل، ولا تملك وهو يمنحك من عذب الكلام ورقة المشاعر، إلا أن تمنحه الاحترام والتقدير لنقاء سريرته وصفاء قلبه، في الوقت الذي تجسد فيه اللباقة متانة العلاقة بين الأطراف وتحلّق بها في آفاق السمو والرفعة، بل إنها تعتبر مؤشراً دقيقاً على دماثة الخلق، ودائماً ما يتردد في الأسماع (والله إنه ابن حلال) (والله فلان حبيب) ولم تسبغ عليه هذه الصفة الجميلة إلا نتيجة لتعامله الفذ مع الآخرين، ضارباً عرض الحائط بالاستعلاء والصلف والمكابرة، لأنه يعي قيمة الآخر ويمنحه ما يستحق من مشاعر الاحترام وهو بذلك يرفع من قيمته. وترتبط اللباقة كذلك بحسن النية، وطيبة القلب، وغالباً ما تجد الإنسان اللبق بشوشاً يحدوه الاطمئنان ليمنحه للآخرين في أريحية لا تقبل الرضوخ لتفاعلات تنسج من الخيلاء فوقية مزيفة مقيتة، وبالتالي انعكاس هذا الاطمئنان مضاعفاً عليه لشعوره النبيل، بما حققه من مكاسب معنوية ومن خلال تمريره للتسامح الذي يعي ماتعنيه هذه القيمة الجميلة من اضافة بصيغة تألفها القلوب النبيلة وتعشقها الأرواح المتعطشة للكلمة الطيبة، وقال نبي الهدى عليه الصلاة والسلام (الكلمة الطيبة صدقة) و (تبسمك في وجه أخيك صدقة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وغالباً ما يحدو الإقناع وانسيابية الاقتناع الإنسان اللبق إذ إن لباقته تلك تضخ زخما وافرا من وسائل سهلة يسيرة في الاقناع لذلك فإنه يمرر آراءه وأفكاره من أرضية صلبة ومن واقع التربية المضيئة التي تنيرله طريق العزة والألفة والكرامة كذلك فإنه يتمتع بالمرونة في الاقتناع، فهو إن أدرك أن رأيه مجانب للصواب، فإن لباقته ستسهم وبفاعلية في التراجع حتى يكون الحوار أقرب إلى تحقيق التعادل والتوازن في المواقف، مذيبة اللباقة والحالة تلك أي شعور بالتفوق ونحوه.والجدير بالذكر أن الإنسان، ا للبق، يجنح دائماً إلى الرفق في التعامل والتسامح في استيعاب المواقف، إمعاناً في التأصيل الجميل للقيم التي استقاها من دين الرحمة والتسامح في حين انه يعكس صورة جميلة اخاذة لأخلاق المسلم الفاضلة، والتي تنبع من يقين مطلق بمآل الأعمال الطيبة واضعاً نصب عينيه الفوز ولاريب أن الفوز سيكون حليفه، ذلك أنه اكتشف سر النجاح بعمق إدراكه وبصيرته ولم تكن الحياة الدنيا وزخرفها أكبر همه بقدر ما أفلح، وهو يسوق العبارات الجميلة لمن اتفق اواختلف معه ولم يسلب الغرور شيئاً من خزنة فكره، لأنها موصدة بأقفال الترفع عن تدنيس النفس، بمصالح آنية زائلة يرافقها حالة انضباط فريدة تستثير توهج كرم النفس لتجهض حالة التضخم والأورام التي ما برحت ترافق (الأنا) وتجنح بالذات في إنفاق التعالي المظلمة والزج بتصورات مغلوطة لا تعدو عن كونها إفرازا لنتائج تنبئ بما لايدع مجالا للشك ببروز مرض يستفحل تأثيره شيئاً فشيئاً، في ظل إدراك محدود وأفق ضيق وتأويلات مجانبة للصواب، وبما أن اللباقة لا تخضع لمقاييس محددة من حيث الكم والكيف، بل إنها ترجمة صادقة لكرم النفس في وقت يمر فيه هذا الكرم إلى اختبار حقيقي وقاس في ذات الوقت، وبالرغم من التطور الحضاري بوتيرته المتسارعة ووسائله المختلفة إلا أن الأصالة تأبى أن تتزحزح عن موقعها مهما بلغت قوة المؤثرات، لأن الأصل يبقى شامخاً ، وحينما ترتبط اللباقة بقضاء مصالح الناس فإنها تدثر هذا العمل بغطاء جميل بديع في تألق رائع يوحي بوعي واسع وصيغة فريدة لمفهوم الارتقاء بالقول والعمل من خلال هذا السلوك النبيل لتتيح المجال واسعاً لنشوء الحميمية ، فالكلمة الطيبة الرقيقة إذا نبعت من قلب صادق حنون تحفه الرحمة فإن انعكاسها الجميل، لن يبرح مفعلاً التواصل والتقارب بين أبناء المجتمع الواحد المتماسك والمترابط، كسمة بارزة لتواضع أبنائه وحرصهم على كل ما يقربهم إلى المولى عز وجل، ويرفع من قدرهم عند خالقهم. ومما سبق ذكره يتضح بأن اللباقة تشكل واحة اطمئنان عملاقة وترجمة دقيقة لنفس تفيض بالخير والنبل والسماحة، وقيل (البِشر يدل على السخاء كما يدل الزهر على الثمر )ويدرك الإنسان اللبق أأن التراجع والتنازل عن رأي محدد لا يعد منقصة البتة، بل إنه ينبع من الأصالة المتجذرة من روح أبيّة تستعصي على الإرتهات لصنوف الغل والحقد والحسد، وتترجم الإيثار المعنوي الجذاب لما يخدم مصلحة دينه وأمته فهوخير سفير بخلقه الرفيع.. حلقات مضيئة تمتد لتثري النقاش، وتتمخض عن آراء صائبة بعون الله وتوفيقه. ولا ريب أن صفاء النية وحسن الطوية يتوجان الإنجاز المشرف، بحس وطني مرهف يداعب الهواجس المحبة سواء عبر الإقناع أو الاقتناع ،ولاشك ان رقي مستوى الثقافة والأدب يرافقهما في ذات الوقت التواضع واللباقة في القول والعمل طرفة ذات صلة ورد أن روائي شهير ذهب إلى إحدى القرى ودخل أحد المطاعم وكان قد نسي نظارته الطبية، والتي لا يستطيع القراءة بدونها، فقدم له الجرسون قائمة الطعام فطلب من الجرسون أن يقرأها عليه: فأجابه الجرسون قائلاً: أنا مثلك ياسيدي لا أعرف القراءة والكتابة. فابتسم وطلب الطعام بدون الاستعانة بالقائمة.