16 سبتمبر 2025
تسجيلدرج على مسامعنا مقولة إن «الاعتراف بالخطأ فضيلة»، ولنا في هذا المقال وقفة مراجعة لهذه المقولة من واقع التجربة، وأنا هنا أطرح رأيي وأدع الباب موارباً لعل أحد القراء يستدرك أو يؤيد ذلك. أقول من واقع تجربة إن الاعتراف بالخطأ ليس فضيلة، بل هو بداية التحول الإيجابي نحو تحقيق العدالة، فإن لم يتبع الاعتراف بالخطأ إرجاع الحقوق إلى أهلها أصبح أشدُ ألمًا على صاحب الحق، وبلا قيمة، فضلاً عن أن يكون «فضيلة». قد يترتب على الخطأ أثر مادي أو معنوي، فإن كان الأثر مادياً وترتبت عليه خسائر مالية، وجب على المتسبب أن يتبع الاعتراف بخطئه تعويض تلك الخسائر، وإن ترتب على الخطأ ضرر معنوي أصبح من الضرورة رد الاعتبار لصاحب الحق مباشرةً بعد الاعتراف بالخطأ، فما زاد عن رد تلك الحقوق دخل في حيز الفضيلة وإلا فلا. وعلى سبيل المثال، تعرض أحد المرضى لخطأ طبي في إحدى المؤسسات الصحية، ثم تقدم بشكوى لتلك الجهة، وبعد التحقيق تم التوصل إلى أن هناك بالفعل خطأ طبي، وعلى إثر ذلك تم التواصل مع المريض عن طريق الهاتف والاعتذار له، إلا أن تلك المؤسسة رفضت إعطاء المريض تقريراً طبياً بما حدث حتى يتمكن من تلبية طلبات جهة عمله التي اعتبرته متغيباً عن العمل بلا سبب، ورغم مطالبة المريض عن طريق القنوات الرسمية بإصدار أي مستند وبأية صيغة كانت بحيث يساعده على تخطي المحنة ويحفظ ماء وجه المؤسسة، إلا أنها لم تستجب له وتركته يواجه العقوبات الإدارية والآثار المعنوية والتكاليف المادية التي ترتبت على ذلك الخطأ، متذرعةً كما يبدو، بالمحافظة على سمعة المؤسسة، وهذا السلوك أبعد ما يكون عن المهنية، كما أن ذلك الاعتذار أبعد ما يكون عن «الفضيلة». بالتأكيد أنه لا أحد معصوم من الخطأ إلا الأنبياء والمرسلون، وأن كل من يعمل معرض للخطأ وهذا شيء طبيعي. إن الإشكالية هي كيف نتصرف بعد حدوث الخطأ؟ هل نعترف ونتحمل المسؤولية؟ أو نعترف ولا نتحمل المسؤولية؟ أو لا نعترف أصلًا بوجود خطأ رغم وجود الشواهد والأدلة القاطعة ونتصرف بلا مسؤولية؟. إن تعريف المسؤولية هو «الوعي بما يجب فعله وما لا يجب فعله، واتخاذ القرارات المناسبة، وتبني ما يترتب عليها»، وكلمة مسؤول يعني يسأل عن أفعاله ويتحمل تبعاتها، لا أن يسعى الواحد منا إلى الحصول على المنصب بكل الوسائل ثم يتنصل من مسؤولياته في أول محك. لذا علينا كمؤسسات وأفراد أن نكون على قدر المسؤولية، أو أن لا نكون، فإن لم نكن قادرين على تحمل تبعات قراراتنا علينا أن لا نتصدر المشهد وندع عنّا جانباً البروباغاندا الدعائية. ونختم بقول الحق جل وعلا : «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ».. والله من وراء القصد.