11 سبتمبر 2025

تسجيل

إدارة الصحة والسلامة في القطاع الحكومي

04 أكتوبر 2020

في شهر يوليو الماضي ألقيت محاضرة حول السلامة والصحة المهنية بالقوات البحرية الأميرية القطرية، هذا السلاح الذي لا أعتبر نفسي غريباً عنه، حيث قضيت فيه أكثر من ربع قرن في خدمة بلادي مع زملائي الضباط والأفراد، وسرني جداً أن ألتقي مع زملاء الكفاح الذين ما زالوا في الخدمة يقدمون جل جهدهم لخدمة وطنهم. والحمد لله كان هناك تفاعل جيد من قبل الحضور مع موضوع المحاضرة، الذي يعتبر حيوياً وهاماً ليس فقط لمن يعمل في مجال الأمن والدفاع، وإنما لكل من يعمل في بيئة عمل مشتركة، سواء كانت داخل الأبنية أو في مناطق العمل المفتوحة ومهما كانت نسبة احتمالية الخطر بها. وفي هذا المقال سأتطرق لأهمية الصحة والسلامة المهنية في محيط بيئة العمل، وهو امتداد للمقالين السابقين اللذين تحدثت فيهما عن أهمية الصحة والسلامة والأمان في محيط المنزل وعن المسؤولية المعرفية والثقافية الواقعة على عاتق رب المنزل للإحاطة بالإجراءات والاحتياطات والتدابير الضرورية لتوفير بيئة صحية سليمة وآمنة. إن الهدف الرئيسي للصحة والسلامة المهنية هو توفير بيئة عمل صحية وسليمة وآمنة للعاملين في محيط عمل معين من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات لتوقع وإدراك وتقييم والسيطرة على المخاطر المحتملة التي يمكن أن تضر بالعناصر الثلاثة: البشري والمادي والإنتاجي، مع مراعاة الآثار المحتملة على المجتمعات المحيطة والبيئة، فجميع القطاعات الحكومية والخاصة تسعى للوصول إلى كفاءة إنتاجية عالية ومثالية، وليتحقق لها ذلك عليها أن توفر مناخ عمل آمناً وصحياً يحافظ على سلامة العنصرين البشري والمادي. وقد يعتقد البعض أن الصحة والسلامة المهنية تختص بالأعمال البدنية فقط كمجالات الصناعة والطاقة والبناء والتشييد والأعمال الأخرى التي تنطوي على المخاطر في ثنايا طبيعة عملها، ولكن في حقيقة الأمر إنها تدخل في جميع مجالات الأعمال حتى الإدارية البحتة منها، فالأفراد الذين يقومون بأعمال مكتبية وخدمية تحت ضغوط وتوترات في العمل غالباً ما تتأثر حالتهم النفسية فينعكس ذلك سلباً على إنتاجيتهم وجودة الخدمة المقدمة للجمهور. فمثلاً مكتب خدمات للجمهور يعاني موظفوه من عدم وجود مواقف سيارات قريبة ومناسبة، أو تكييف سيئ في مكان العمل أو دورات مياه غير صالحة أو غير نظيفة، أو مدير متسلط وغير مراع لظروفهم العائلية والحياتية، وغيرها من العوامل النفسية والصحية، ناهيك عن الأمور الأخرى التي ترتبط بسلامتهم من قياس جودة الهواء في مكان العمل، والتي تأتي أهميتها ونحن نعايش جائحة كورونا، التي أظهرت لنا الحاجة والأهمية القصوى لأخذ تدابير منع انتشار الأمراض المعدية كالإنفلونزا بأنواعها. وهنا يأتي دور الإدارة الجيدة للصحة والسلامة المهنية، التي تركز على أخذ التدابير الوقائية اللازمة لتأمين الصحة الجسمانية والعقلية والنفسية لأفراد المجتمع. وحول العالم وخصوصاً في الدول المتقدمة نجد أن هناك اهتماماً متزايداً بأولويات الصحة والسلامة المهنية في المؤسسات الحكومية والخاصة، حرصاً منهم على توفير بيئة عمل مثالية يكون نتاجها كفاءة عمل أكبر وإنتاجاً مؤسسياً أفضل، وهنا في قطر ألاحظ أن الشركات العاملة في مجال الصناعة والطاقة كقطر للبترول والشركات المماثلة لها، هي فقط التي تولي اهتماماً كبيراً بتطبيق متطلبات الصحة والسلامة المهنية، ولقد قمت بزيارة الصفحات الرئيسية لبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية الخدمية على الإنترنت لمراجعة إذا ما كانت هناك إدارة أو قسم أو حتى وحدة تختص بالإشراف وبتطبيق ومراقبة إجراءات وتدابير الصحة والسلامة المهنية ولكن للأسف لم أجد في هياكلها التنظيمية من يقوم بهذه المسؤولية الهامة، والتي لا تقل أهمية عن التدريب والتطوير، فالاهتمام بصحة وسلامة ورفاهية العنصر البشري متطلب رئيسي لدفع عجلة التقدم والتنمية والتطوير.