23 سبتمبر 2025
تسجيلصدق الله عز وجل حين قال "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، هذا التكريم الإلهي نراه اليوم يتمثل أمام أنظار العالم برحيل الوالد سمو الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه بالرحمة والنور والمغفرة، إنها التقوى التي يحملها في نفسه النقية، وصدق نواياه، فبكى على رحيله الكثير، وأثنى على أخلاقه الكثير، وتألم على فقدانه الكثير، حتى المساجد شرعت في صلاة الغائب عليه والدعاء له على مستوى العالم الإسلامي. خبر نزل كالصاعقة ليس على الكويت فحسب بل على العالم، توشحت قنواتها بخبر وفاته، وتعداد مناقبه ومواقفه في جميع المحافل، لكنه القدر الإلهي المكتوب، الذي يحدّد الرحيل، فتدمع العيون، وتدمى القلوب، وتردد الألسن " إنا لله وإنا إليه راجعون " رحل قائد العمل الإنساني، وعميد الدبلوماسية، وصاحب الابتسامة، وصانع السلام، وزعيم المصالحة، وحكيم العرب، ألقاب جسدها تاريخه الحافل بالإنجازات السياسية والإنسانية والخيرية، وشهد عليها الواقع السياسي الخليجي والإقليمي والدولي، بابتسامته التي لا تفارقه يطفئ بها فتيل النزاعات والخلافات، وبحضنه الواسع يداوي جروح المرضى ويمسح دموع الأيتام، ويسد أفواه الجوعى، يدٌ بيضاء امتدت لمعظم أصقاع العالم، لتدّون حروفاً مسجلة في ملفات منظمة الأمم المتحدة لدولة الكويت بتسميتها " مركزاً إنسانيًا عالميًا " وفكرٌ محنّك بالتجارب السياسية الدبلوماسية الممتدة يضعها على طاولة المصالحة للخروج من الأزمات الخلافية بين الدول لوقف فتيلها، فهذا وزير الخارجية الأمريكي "هنري كسنجر " وزير خارجية أمريكا الأسبق، يؤكد في أن أيّ نزاع بين طرفين في الشرق الأوسط نطلب مساعدة الشيخ صباح الأحمد لحل النزاع ". …. مناقب لا يمكن حصرها، ستُسجل في التاريخ، ولو استعرضناها لجفت الأقلام وعجزت الألسن عن سردها، كيف تنُسى يا أبا ناصر، الغائب الحاضر، وأنت من وقفت بقوة إيمانك ومبادئك الخلقية وحق الأخوة في وجه مَن أراد أن يحوّل أرض دولتنا قطر الغالية إلى ساحة للقتال، بوقف التصعيد العسكري، وإعلاء موقفك بوضوح في هيئة الأمم المتحدة بقولك: " لا إملاءات ولن نقبل مطالب تمس سيادة دولة قطر". ومَن تجاوز صعاب الصوم وطول المسافة لوضع الحلول للأزمة الخليجية، ومَن شرع إقامة الاجتماعات للحوار بين قطر ودول الحصار منذ عام 2017، ولا ننسى فضلك بعد الله ووقوفك مع الحق في أزمة سحب السفراء والمصالحة عام 2014 في الرياض، والتي جميعها أكد عليها تقرير معهد واشنطن " أن الكويت تسلط الضوء على الحاجة إلى الاستقرار والعلاقات السلمية بين دول مجلس التعاون الخليجي وسلامة الهيئة الإقليمية، مازلنا نتذكر أناملك الحانية التي لامست علم قطر خلال ختام القمة الخليجية في الرياض، بعفوية أبوية حانية. هكذا يا أبا ناصر كُنت، وهكذا ستكون بصمتك، وهكذا سنرسم للأجيال القادمة صورة القائد الاستثنائي في الزمن الاستثنائي العاصف برياح الخلافات والنزاعات الهوجاء، الحكمة والحنكة السياسية والرأي السديد ديدنك، ففي التاريخ، وفي فكرنا ستظل صورتك ثابتة لا تُمحى، لقد كنت للكويت صباحها ونورها وبهجتها، وكنت للعالم صماماً للأمان والسلم، من فلسطين المسجد الأقصى والقدس الشريف، ودورك الثابت في دعم القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع مع الاحتلال في خضم الهرولة العربية والخليجية، واسترجاع الحقوق الفلسطينية. لم تجرفك ضغوطات المهرولين، وضغوطات الشرق والغرب، وضعت حدّاً حكيما في ردّك: " موقفنا لن يتغير من فلسطين، ها هم أبناء فلسطين اليوم يعبرون عن موقفهم بأناملهم على شواطئ فلسطين الذهبية برسم صورتك مرفقة بعبارة "رحمك الله قائد الإنسانية "، إلى سوريا المنكوبة والمؤتمرات الدولية للمانحين السوريين التي عقدت في الكويت لدعم الوضع الإنساني السوري، وغيرها من المواقف السياسية النزاعية التي كان للكويت دور فيها بقيادة أميرها الراحل الشيخ صباح منذ توليه مقاليد الحكم، أمنيته أن تتحقق المصالحة الخليجية، ولكن بإذن الله الأمل في خليفته. حقًا ! لم يجُد الزمان بمثله، فليست هناك دولة لم تكن لها بصمة أو موقف مع أمير الإنسانية، ما أروع الكلمات التي يوجهها لأبناء الكويت في كل لقاء وكل مؤتمر وكل جلسة برلمانية، تزخر بالحب والنصح والإرادة والعزيمة والبناء من أجل السلام والأمن للكويت ولأبنائه، نصيحة أب لأبنائه بإيمان وصدق، فالكويت هي الأم والأرض من أجلها نعيش ونعمل، كلمات لا تنسى كان إنساناً قبل أن يكون قائداً. … مناقب ومواقف تجلت اليوم صورها مع انسدال ستار عهد الراحل الوالد الشيخ صباح الأحمد - رحمه الله - لينطفئ صباح الكويت، ولكن لم تنطفئ صورته وسيرته ومنهجه، التي سيحملها خير خلف بقيادة سمو الشيخ نواف الأحمد حفظه الله ووفقه، عزاؤنا للكويت ولأبناء الكويت والخليج خاصة والعالم العربي عامة، فحين نفقد إنسانا يحمل صورة الإنسان قبل القائد، فما فُقد وذكره مع المجد باقٍ. رحم الله الفقيد وجعل مثواه جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. [email protected]