17 سبتمبر 2025
تسجيلبعد مراجعة وجدت أن طبيعة قيام الدولة ونشأتها جعلتها تأخذ دور الكنيسة وذلك عن طريق احتكارها للحقيقة الاجتماعية الدنيوية تماماً مثلما كانت الكنيسة تحتكر الحقيقة الالهية، مما ادى الى ظهور سياق العلمنة في تلك الدول بالمقابل، مثل هذا الامر في مجتمعاتنا أدى كذلك الى تيار يطالب بالعلمنة، سواء كان نفسياً وعاطفياً او وجوداً حقيقياً حسب تطور كل دولة، بمعنى أن سياق الدولة الأزمة التي لا تتطور بقدر ما تتراجع أوجد مثل هذا التيار. الآن أشكال المطالبة بهذا التيار متعددة هناك من يطالب بفصل الدين عن السياسة حماية للدين ويتكرر ذلك كثيراً حيث إننا مجتمعات متدينة في الاساس. وهناك من ينادي بحيادية الدول امام مكوناتها ودياناتها وطوائفها اي بالدولة الاطار، وهناك من ينادي بالملكية الدستورية على اعتبار أن الحكم عندنا يمارس دينياً أكثر منه سياسياً يعني كعقيدة اكثر منه سياسة او سياسة تتدثر او تكتسي بجلباب الدين. الآن أنا أَميل الى حيادية الدولة أمام مكوناتها وطوائفها ودياناتها أما الحديث عن الفصل فلا أعتبره ممكناً لأنه حتى في الدول الاكثر تقدماً في هذا المجال ليس هناك فصل واضح بين الدين والسياسة، وحيادية الدولة تعني دستوريتها بالضرورة فهي تملك والشعب يمارس خياراته في الحكم. أنا أعتقد أنه قبل البحث في قضية التيارات الفكرية في الخليج علينا ان نفكر في وضع الدولة ونتداول الخيارات حولها بدءاً بالمطالبة بالمجتمع المدني وتوسيع خياراته وضرورة السعي حثيثاً لتشجيعه لينتج لنا ثقافة من داخل المجتمع لا تفرض عليه من فوق كأحد أذرع الدولة السياسية التي تدير بها المجتمع، بحيث تصبح الدولة مع الوقت إطاراً محايداً وينزل معها المثقف من الكنبة لينضم عضوياً في تيارات اجتماعية فاعلية تعمل على تطوير المجتمع من خلال حرية الاختيار المناسب وممارسة الاعدام لما لم يعد له حاجة أو منفعة بمعنى ان يتطور المجتمع من داخله من خلال انتاج ما يحتاجه من فكر محايث لواقعه الذي يعيشه، فالعقل المستورد أخطر من الآلة المستوردة، فالآلة المستوردة تخدم الطرفين المصدر والمستورد، لأنها صماء لكن الفكر المستورد بالدرجة الاولى يخدم المصدر اكثر من خدمته للمستورد، حيث طبيعة العقل أو الجوهر الثبات وامتداداته ليست سوى محمولات. باختصار وحتى نزيل الخوف من المصطلح وحمولته الشريرة في أذهان مجتمعاتنا نقول: نحن لسنا في حاجة الى علمنة بقدر حاجتنا الى مجتمع مدني يفرز سياقاته من داخله. نحن لسنا في حاجة الى علمانية لكننا في حاجة الى ترك المجتمع يمارس حريته من خلال الاختيار والعدم او الاعدام من بين سياقاته واتجاهاته بما يكفل له التطور. نحن لسنا في حاجة الى تيار علماني لكن في حاجة الى دولة الاطار او دولة الحياد امام مكوناتها او دياناتها، بمعنى آخر نحن لسنا بحاجة الى علمانية ولكننا في حاجة إلى دولة علمانية إذا ما استخدم المصطلح بكامل حمولته. [email protected]