15 سبتمبر 2025
تسجيلصوتٌ حرٌ آخر تُغيّبه أيادي القمع السعودية! دخل إلى سفارة بلاده في تركيا لإنهاء أمور تتعلق بإتمام زواجه من امرأة أجنبية ووضع جميع هواتفه عند الاستقبال بطلب من أمن السفارة وانتظرته خطيبته خارجا، بعد أن رفضت السفارة إدخالها معه، لكنه لم يخرج بعدها!. كان هذا هو السيناريو القصير المفزع لقصة اختطاف الكاتب والمفكر الأستاذ جمال خاشقجي، الذي خرج منذ ما يزيد عن السنة من السعودية، وتحديدا في الفترة التي اعتقل فيها محمد سلمان ولي العهد السعودي مئات من الأمراء ورجال الأعمال، ثم أعقبها بسلسلة مستمرة من الاعتقالات التي طالت شيوخ الدين والكتّاب وتعرضه شخصياً لمضايقات من الأمن السعودي واستجوابات بين الحين والآخر، فقرر بعدها الفرار والاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وأذكر أنه غرد حينها: ( لن أعود إلى مدينتي جدة إلا بعد ضمانات تقدمها الحكومة السعودية تتعلق بسلامتي الشخصية)، حتى استطاعت هذه الحكومة الاستخباراتية استغلال تواجده في تركيا وحضوره لسفارتها هناك واختفاءه بعدها وسط مصدق ومكذب لهذا الخبر الذي يعكس درجة الانحطاط التي وصلت إليها الرياض في قمع كل صوت حر يظهر عيوبها بالشفافية المتزنة التي كانت تخرج بها آراء الأستاذ خاشقجي، والذي كان وجها حاضرا في معظم القنوات الإخبارية العربية والعالمية؛ نظرا لما كان يطرحه من وجهات نظر موضوعية في الحال الذي وصلت إليه بلاده في عهد سلمان وبالأخص ابنه محمد الذي يتولى الحكم بصورة غير رسمية ويدير ملف الاعتقالات شخصيا، وكان رأس الحربة الذي زج بها ولي عهد أبوظبي مهندس حصار قطر في عملية التخطيط على قطر ومحاولة غزوها عسكريا وقلب نظام الحكم فيها، للأسف، وكان ينتقد هذه السياسة بشيء من الهدوء ولم تغلبه صفة الانتقام منها جراء تعرضه سابقا لمضايقات كثيرة من أذناب الأمن فيها، كما كان يشيد دائما بذكاء محمد سلمان في تولي بعض الملفات الخاصة ببلاده، لكنه كان يحذر من سوء عاقبة تهوره الواضح التي قد تصل بصاحبها في مثل هذه الأمور. قبل يومين رسا يخت مملوك لمحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي في ميناء "موغلا" التركي، وقد ثارت تساؤلات عدة حول توقيت رسو هذا اليخت الذي يوحي بأنه قادم بغرض الاستجمام مع حادثة اختطاف الإعلامي جمال خاشقجي وتناولت الأنباء، أن هذا متعلق فعلا بالحادثة، حيث اشتهر نظام أبوظبي بامتلاكه واعتماده على عصابة "بلاك ووتر"، وهم عبارة عن مرتزقة من مختلف الجنسيات، مهمتهم القيام بكل الأعمال غير المشروعة، بالإضافة إلى تمكنهم من ارتكاب جرائم القتل والخطف وغيرها، ولذا ليس بمستبعد أبداً أن يستعين نظام القمع السعودي بهذه العصابة لتهريب الكاتب خاشقجي عبر البحر، لا سيما أن الأنباء التي وردت من تركيا تفيد بأن أجهزة الأمن التركية قد استنفرت كافة عناصرها وقواتها الأمنية ومطاراتها لمنع تهريب خاشقجي من خلالها، ولا يمكن استبعاد أن تتفجر أزمة دبلوماسية بين البلدين، حتى وإن كان هذا الاختطاف القسري قد حدث في السفارة السعودية الهوية، لكن تبقى الأرض تركية المنشأ والجنسية 100%، ولا يمكن لأنقرة التي تؤوي آلاف اللاجئين من المعارضين المصريين واليمنيين والسوريين والسعوديين، أن تسمح بأن يحدث هذا على أرضها وعلى مرأى منها، لا سيما أن حادثة اختطاف خاشقجي قد أشعلت العالم العربي وباتت "ترند" على تويتر والمواقع الخليجية والعربية. وتاريخ الرياض مع الاختطافات القسرية التي تبدأ بالاستدراج والخديعة وتضليل الضحية وتنتهي بسجون السعودية الانفرادية المظلمة مليء بالشواهد، وربما يكون أبرزها ما قامت به الاستخبارات السعودية عام 2016، حينما اختطفت الأمير سلطان بن تركي من باريس، وهو أحد أفراد الأسرة الملكية الحاكمة، لكنه كان معارضا لحكومته واستطاعت ومن خلال أشخاص اقتادوه لجهة مجهولة أن تنقله من مقر إقامته في فرنسا إلى غياهب سجونها التي من المتوقع أن يحل خاشقجي ضيفا دائما فيها ما لم تستجد أمور وهمية في إخراج خاشقجي إعلاميا وإجباره على التصريح بأن عودته لبلاده كانت طوعية وبملء إرادته، وهذه باتت سياسة واهية وصورية "محترقة" للنظام السعودي الجائر المعتاد على قمع كل من يعترضه، حتى وإن كان هذا الصوت لامرأة أو شيخ سُلب حقهما من نظام آل سعود، فكل الخيارات واردة، لكن تبقى حقيقة أن نظام "المهلكة" أصبح نظاما "فاشيا" إن صح التعبير، وبات الداخل إلى السعودية مفقودا والخارج منه مولود، ومن يظن أنه يستطيع أن يشعر بالأمان حتى في بيت الله الحرام في مكة، فاسألوا الرياض كيف اعتقلت معارضيْن ليبييْن قدما للعمرة وسلمتهما لنظام حفتر المجرم، وهما بملابس الإحرام، دون خشية من الله، ولا حرمة لبيته العتيق!. فاصلة أخيرة: "مملكة المحميات والشبوك" و"مهلكة القمع والسجون" يؤديان المعنى ذاته لدولة واحدة! [email protected]