12 سبتمبر 2025

تسجيل

جاستا.. السطو باستخدام القانون

04 أكتوبر 2016

ما الذي يمكن فهمه من تجاوز الكونجرس للفيتو "الباهت" الذي أصدره الرئيس باراك أوباما ضد قانون" محاسبة رعاة الإرهاب" وبأغلبية مطلقة؟ والجواب هو سؤال مضاد، ما الذي لا يمكن فهمه من هكذا قرار، بعد أن باعت الإدارة الأمريكية الشرق الأوسط العربي كله واشترت بثمنهم الجمهورية الإيرانية وأمن إسرائيل، وهذا القرار لم يكن وليد الساعة، بل كان يجب أن يكون واضحا منذ قررت الإدارة الأمريكية السابقة برعاية جورج بوش ونائبه ديك تشيني ودونالد رامسفيلد غزو العراق وتدميره تماما، وتركوه مستباحا لإيران ورجالها وأعوانها واستخباراتها، وكان ذلك أكبر جرس بحجم السماء يدق فوق رؤوس الأنظمة العربية المؤمنة بالكذبة الأمريكية آنذاك.عندما تتهُم دولة بحجم المملكة السعودية وتاريخها السياسي الحليف مع الولايات المتحدة بتورطها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر من قبل المجلس التشريعي الأمريكي الذي يقرر ويقود سياسات الولايات المتحدة ويتعامى عن المحاذير والمخاطر التي قد تترتب عن هذا الاتهام غير المبرر، فهذا يعني أن الطلاق قد وقع بين الولايات المتحدة وبين أكبر دولة عربية وحاضنة إسلامية، والأمر يتعدى القضايا المالية التي ستترتب على هذا القانون إلى أبعد من ذلك، فبعد كان الاتهام موجها لثلاثة عشر مواطنا سعوديا، أصبحت الدولة السعودية بنظامها السياسي متهمة بقضايا الإرهاب بناء على التفسير الأمريكي السخيف، وذلك يعني أيضا أن أي دولة أخرى عربية أو أجنبية هي في مرمى نيران ذلك القانون.هجمات 11\9 جاءت بعد تولي الرئيس جورج بوش الابن بثمانية أشهر، وهو قبل ذلك وبعد ذلك كان يجيش الرأي العام الأمريكي والعالمي ضد العراق وضد صدام حسين شخصيا وكان يطلق تصريحاته الرعناء واتهاماته بأن ملك الشرّ هو صدام وكهف الشيطان هي العراق، وأن العراق يشكل أكبر تهديد على البشرية بامتلاكه أسلحة نووية وكيميائية، ولكنه توجه بعد ذلك فورا إلى أفغانستان لمحاربة ما أسماه جيش الإرهابيين هناك، لم تكن السعودية حاضرة في خطابات واتهامات الإدارة الأمريكية آنذاك، بل كان الجدل واسعا فيما يتعلق بدعم الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة وصناعة جيش من المقاتلين لمواجهة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكانت السعودية حليفا قويا في محاربة التنظيم وزعامته ومقاتليه واكتوت بنارهم أيضا.لقد كانت الهجمات التي نفذها همجيون متخلفون على البرجين الأكبر والأقدم في نيويورك والبنتاجون، كانت هدية لا تقدر بثمن لإدارة بوش ولم تكن بالنسبة لهم مجرد هجمات إرهابية ضد الأمن القومي، فهي مفتاح الدخول على عالمين إسلاميين مختلفين يمتلكان ثروات هائلة وتحقق هدف المحافظين الجدد في السيطرة على مصادر الطاقة، النفط والغاز، في العراق وأواسط آسيا حيث جاءت الولايات المتحدة بـ"حامد كرزاي" رئيسا لأفغانستان بعدما كان مستشارا لشركة " يونيكال" الأمريكية العملاقة للطاقة، وتم تأمين مد خط النفط عبر شرق أفغانستان حتى المحيط الهندي بحماية ثلاث قواعد عسكرية أمريكية، "مزار شريف وباجرام وخوست"، فيما عاد بوش للتحريض ضد العراق حتى قام باحتلاله 2003 وحل جيشه ووضع مصافي النفط تحت حماية الجيش الأمريكي.هذا السرد التاريخي يعتبر ضربا من الغباء لتبرير عجز النظام العربي عن فهم ما كان يجري في نهاية القرن الماضي ضد عالمنا العربي ونحن مرتهنون للشركات الأمريكية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات بفضل قوتنا الشرائية والتي كانت أغلبها دون ضوابط ودون حاجات، واليوم هاهي الدولة التي تنادي بالعدالة ويجوب خيالتها عالمنا العربي لتحقيق تلك الكذبة الكبرى، تقرر معاقبة أول دولة في العالم بواسطة قانون مستحدث وغير مسبوق، بل إن قرار حرب عسكرية ضد السعودية يمكن فهمه ولكن قانون "جاستا" لا يمكن فهمه، إلا بمحاولة تدمير المملكة العربية السعودية اقتصاديا وسياسيا.لذا فإن مجرد قراءة مبسطة لما جرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر إدارة أوباما تعطينا صورة الواقع اليوم وملامح المستقبل، الولايات المتحدة بدولتها العميقة وأبراجها العالية في الكونجرس وأذرعه، زادت جرعات العلاقة مع إيران لدرجة منحها صك غفران وشهادة حسن سلوك، ومعاقبة السعودية باعتبارها الظنين المطارد في الجرائم الواقعة ضد الأمريكيين، وهذا ما يفتح الباب أمام أي شخص أو هيئة من أي دولة في العالم لإقامة دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد الحكومة السعودية، وهذا يعني أن أي أصول مالية وشركات واستثمارات تملكها الحكومة السعودية هي باتت تحت قبضة القانون الأمريكي، ومن غير المستبعد بعد سنوات أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات ضد السعودية.إن القرار الذي دعم استصدار قانون "جاستا" هو الإرهاب بعينه، وهو مرفوض ومعيب على دولة بحجم الولايات المتحدة التي تعكس تحضر العالم، ولكن يبدو أن صناعة القرار هناك لا تزال بيد القوى المتطرفة والمحرضة ضد العالم العربي، وهذا لا يخدم إطلاقا مصالح واشنطن الخارجية، ولهذا من المتوقع أن لا تكون السعودية الدولة الأخيرة التي ستعاقب، بل إن الشقيقات الأخريات من الممكن أن يصدر بحقها قانون مشابهة لأي سبب كان، إنه قانون السطو باستخدام القانون.