12 سبتمبر 2025

تسجيل

التَعليم في المَفهُومِ المُجتَمعي

04 سبتمبر 2019

لا شكَّ أن التعليم يلعبُ دوراً مُهماً في نهضة الأُمم ورُقيِّها، وهو عمادُ التنمية والسلوك الحضاري للشعوب، وما تَخلُّفُ الشعوب، وتسلّط الديكتاتوريين عليها، إلا نتيجة الأميّة، ليست الأميّة الأبجدية فحسب، بل الأميّة الثقافية، وضيقِ أفقِ الشعوب عن فهم واستيعاب مُخرجات العصر والتواؤم معها، مع عدم إغفال الحقوق الأساسية لتلك الشعوب، وهي الديموقراطية وإفرازاتها، ولقد نهضت الدولُ الأوروبية، على أيدي المُفكرين والعلماء والأدباء والفنانين، بعد أن تدمّرت المدنُ بفعل الحرب العالمية الأولى والثانية، وسقط مئات الآلاف، نتيجةَ سيادةِ السلاح، لا العقل، على مقاليد الأمور. والمفهوم المجتمعي للتعليم في منطقتنا يقوم - في الأغلب - على قاعدةٍ بائنة، وهي الحصول على الشهادة، حتى وإن كان الطالب غيرَ قادر على فكِّ أسئلة العصر. لذا، نجدُ خريجينَ من الجامعة، لا يستطيعون مواجهة أسئلة الحياة الصعبة، أو حتى كتابة مُذكِّرة من عشرين سطراً، ناهيك عن تواضع معلوماتهم العامة. ورغم وجود استثناءات محدودة، فإن غالبية الطلبة يدخلون الجامعة أو الكلية، من أجل الشهادة، التي تؤهلهم للوظيفة، أو الترقية، وليس للتعلُّم. وهذا مفهوم خاطئ، لابُدِّ وأن يُصحّح فوراً. فخلال سنيّ التدريس في الجامعة منذ عام 1983، وحتى اليوم في كلية المجتمع، لاحظتُ إصراراً من العديد من الطلبة، على أن أقوم بتلخيص الكتاب المُقرر، بل وهنالك مطالبات من بعض الطلبة والطالبات، بإلغاء بعض الدروس، مع غياب النقاش داخل الفصل. لذا، نجد الخريّج – في الأغلب – محدودَ الثقافة، غيرَ مُدركٍ لأبعاد ومفاهيم المجتمع والتحدّيات التي يواجهها، فيعيش مُنعزلاً عن هموم مجتمعه، وتتضخّم لديه (الأنا) غير المُنتِجة، ويدخل في مسؤوليات ما بعد الزواج، من سنٍّ مُبكرة، ولا يستطيع الفكاكَ من الاعتماد على والديه، بدءاً من السكن، والطعام، والمساعِدات في المنزل، إلى توصيل أبنائه إلى المدرسة.. إلى تحمّل ديونه! ونظراً لمحدودية استخدام بعض الطلاب لعقولهم بطريقة صحيحة، يحدثُ الطلاق، حيث تقول الأرقام إن حالات الطلاق وصلت إلى ما نسبته 38% من مُجمل الزيجات، ويحدث هذا خلال السنوات الأربع من الزواج. كانت الوالدة، رحمها الله، تقول لي: " ادرس حتى تصير كَيْتَب"! أي تعلَّم حتى تُصبح كاتباً، أي موظفاً في الدولة. وهذا المفهوم ينطبقُ اليوم على معظم طلابنا، أي أن هدف التعليم الأسمى، لدى هؤلاء الطلبة، هو الحصول على وظيفة، وإن كان الطالب غيرَ مؤهلٍ لتلك الوظيفة، التي قد يصلها عبر واسطة معينة! أخبرني أحد السفراء الناجحين ذات يوم، قبل أكثر من 15 عاماً، أنه يُضطَر إلى كتابة المُذكرات لأنَّ الدبلوماسي الذي معه لا يُجيد كتابة المُذكرات!. فما بالكم لو عمل هذا الطالب في مؤسسة خدمية، تتعلق مباشرة بالجمهور، ناهيك عن قضية الإحساس بقيمة الوقت، والتمسك بقيم الوظيفة ومهامِها، وحُسن التعامل مع المُراجعين، مع عدم استخدام اللغة السليمة للاتصال مع الآخر. لذا، نؤكد مراراً على طلبتنا وطالباتنا، أهمية استخدام (لغة الجسد) في التعامل مع الآخرين، فالابتسامة لا تُكلّف شيئاً، بل إنها أقلُّ استخداماً لعضلاتِ الوجه، من العبوس والتجهُّم. نقطة أخرى واجهناها في التدريس، وتتلخص في حالة الغموض والصمت، وعدم التعبير عما يدور في خلد الطالب أو الطالبة، لذا، نجد العديدَ منهم ومنهُنَّ، لا يُشارك في الحوار داخل الفصل، ويكون، إما سارحاً خارج الفصل، أو مُلتصقاً بالهاتف، الذي يُحظرُ استخدامهُ في الفصل، كما تقول اللوائح الأكاديمية. نقطة أخرى تتعلق بالإهمال الواضح في الاستعداد للامتحانات، والتكليفات خارج الفصل. فنجد الطالب يتأخر في تقديم المطلوب منه، في وقته، ويتعذّر بأعذارٍ واهية، وهذا يُربك عملَ المُدرس، ويجعله يتأخر في رَفع الدرجات، في موعدها على (البلاك بورد)، وبالتالي يتم لفت نظره من قِبل رئيس القسم. وإذا حدث ونبّهَ المُدرسُ الطالبَ أو الطالبة، يجدُ، في بعض الأحيان، ردوداً شائنة، لا تليق بمقام المُدرس، ما يُخالف الأعراف الأكاديمية. وللأسف، هناك مَن يتعامل مع المُدرس تعامله مع السائق، أو المُساعِدة في المنزل أو العزبة! على الرغم من أن التكليفات، والنزاهة، والتعامل مع المُدرس، والحضور، والامتحانات، تُوضَّحُ للطالب منذ اليوم الأول للفصل الدراسي، ويطلب المُدرس من الطلبة قراءة (توصيف المقرر)، كي يعرف الطالب ما له وما عليه. إن عدم الاستقرار العاطفي والعقلي لدى الطالب أو الطالبة، يجعلهما، في حالات كثيرة، يرفعان صوتَهما على المُدرس، ما يُمكن أن يُضيّع وقتَ الفصل، وتقديم الطالب أو الطالبة للمساءلة الأكاديمية، ذلك أن البعض (دَمُهُم حارّ)، ولا يتقبلون أي توجيه أو مُلاحظة من المُدرس، بل يتصور هذا البعض أن المُدرس عدّو لهم، وهذا فهمٌ خاطئ لمهنة التدريس السامية، ودور المُدرس في جعل الطالب يستوعب المادة، ما يُساهم في تنميةِ شخصيته، وارتفاعِ مستواه التحصيلي والثقافي، عن ذاك المُرتبط بالمرحلة الثانوية. وبعض الطلبة لا يقرأ (توصيفَ المقرر)، ولا يستوعبُ متطلبات المقرر، وليست لديه قُدراتُ واستعداداتُ لعمل التكليفات، كونه لا يدرس، ويُفضّل التسَكُّع في المقاهي أو التجوال في المولات، وعندما يأتي وقت تقديم الأوراق أو العروض التقديمية لا يفي بها، وقد يلجأ إلى بعض الأساليب " المُحّرمة" أكاديمياً. إن سعةَ الاطلاع، وتنميةَ قُدرات القراءة من الأمور المُهمّة في جعل الطالب مُنتجاً وإيجابياً في الفصل، كما أن الحفظ، دون الفهم، لا يخلق إنساناً مُتعلماً، لأنه سوف ينسى ما حفظهُ بعد أسبوعين من تقديم الامتحان!! لذا، فنحن نُنظمُ زياراتٍ ميدانية لبعض المؤسسات الإعلامية، في مقرر المدخل للاتصال الجماهيري، كي يطّلع الطالبُ، على الطبيعة، على التطبيق العملي، لما درَسَهُ في الفصل نظرياً. ونلاحظ أن بعض الطلبة لا يقدّمون تقاريرَهم، عن تلك الزيارات، بأسلوب رصين وصحيح، ويعتمدُ، بعضهم، على آخرين، في كتابة تلك التقارير، وهذا لا يرفعُ درجات الطالب، ولا يساهمُ في تنمية قدراته في الكتابة، ونلاحظ أن بعض الطلبة، لا يقبل الأسئلةَ التي تتطلب أجوبةً مقالية في الامتحانات، ويطلب أن تكون الأسئلة، (صح أو خطأ)، وهذا لا يُطوّر القُدرات الكتابية لدى الطالب، ويجعله أكثر اعتماداً على الآخرين، بل ولا يجعل الطالب يستخدم عقلهُ، في الكتابة الصحيحة، ولا يوسّع مُدركات الخيال والاستحضار لديه. وبعض الطلبة لا يحضر النشاطات التي تُقيمها الكليةُ أو الجامعة، وينشغلُ بأمورٍ خارج حرمِ الدراسة، وهذا يُضيّع عليه فُرصَ الاستفادةِ من تلك النشاطات، والحوارات التي تجري فيها، مع أساتذة زائرين، غير هؤلاء الذين يُدّرسونه، والاطلاع على الأفكار الجديدة. هنالك مفاهيمُ مجتمعية، حول الدراسة الجامعية وظروفها، ولابد أن تتعدَّل تلك المفاهيم لدى الطلبة وأولياء الأمور! يتساءل البعض: لماذا لا يخرج لدينا علماءُ ومخترعون ؟ أو أدباء لامعون؟ أو مهنيون يساهمون في التخصصات الدقيقة؟ ذلك أن بعض الطلبة يأتون إلى الجامعة أو الكلية، طمعاً في الشهادة – كما تقدَّم – وليس بهدف التعلُّم، ولابدَّ من تصحيح هذا المسار، وإقناعِ الطالب أن الهدفَ الرئيسي للدراسة هو: تأهيل الطالب لمواجهة الحياة، وفكِّ أسئلتها الصعبة.