15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإرهاب المَجني عليه!

04 سبتمبر 2017

لم تكف وسائل الإعلام في دول الحصار عن اتهام قطر بأنها تدعم الإرهاب وتموله! وجاء ذلك في الوثائق الرسمية التي تم توقيعها في بيان القادة، وضمن البيانات التي نشرتها دول الحصار بعد اجتماعات وزراء الخارجية للدول الأربع في كل من القاهرة والرياض، واجتماع وزراء الإعلام في الرياض، وأيضًا برز ذلك الاتهام في الأحاديث التلفزيونية المكررة للمسؤولين في دول الحصار، وفي أعمدة الكتّاب وأحاديث المحللين في المحطات التلفزيونية والإذاعية. ويصحُّ لنا القول إن الإرهاب مجنيٌّ عليه خلال أزمة حصار دولة قطر! وأنه لا دخل له فيما يجري بين "الأشقاء"، وما هو إلا "مشجب" عُلّقت عليه الكثيرُ من التبعات والمبررات، وبدأ يصرخ: "أنا بريء منكم"! وفي ظل التراشق الإعلامي الحاصل، كان لا بد للإعلام القطري أن يكشف العديد من الأوراق التي وضعت تحت الطاولة بعيدا عن أعين الشعوب في تلك الدول، وظهرت عبارات لم نكن نسمعها في السابق، كشفت لنا حقائق مغيبة عنا، مثل: - السيسي والأسد في خندق واحد - النظام المصري قدّم السلاح والقوات دعمًا لقوات الأسد - قوات مصرية تقاتل على جانب إيران وروسيا والميليشيات الشيعية - الأسد يكشف تلقيه دعمًا سعوديًا بقيمة 5ر6 مليار دولار بعد الثورة - الرياض وضعت 4 مليارات بالبنك المركزي السوري دعمًا للنظام - بفعل السلوك السعودي دخلت سوريا في دائرة مرعبة من المذابح والإرهاب - انتقادات سعودية لدور الإمارات في سوريا ودعمها للأسد وجاءت تصريحات لقادة المعارضة السورية كالتالي: - الهواس: السعودية جعلت السوريين عبرة لشعبها وكل من يفكر في التغيير - شامية: الرياض تفاهمت مع رموز النظام وطالبت المعارضة بالتعامل مع الأسد - أحمد الناشط: أسهمت الاستخبارات السعودية في تفتيت كل الفصائل السورية من خلال إزاحة الدعم القطري الجاد. وهكذا تتوالى العبارات والعبارات المضادة، والاتهامات والاتهامات المضادة، في حرب إعلام شرسة، والمطلوب للعدالة هو (الإرهاب) ؟! إن الإرهاب كائن خرافي، يستوطن عقول الساسة، ويرون فيه (طائر الفينيق) الذي يخرج من السخام ويطير عاليًا، كما أنه لا يوجد من يدافع عن الإرهاب من "المحامين" المعتدلين، وبذلك يصبح الإرهاب (الطوفة الهبيطة) كما نقول خليجيًا، أي الكل يلطمه من أي جهة. أعتقد بأن "تدويل" كلمة الإرهاب، وبشاعة ردود الفعل حولها، خصوصًا في الذاكرة الغربية والأمريكية، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وبعد ظهور تنظيم الدولة (داعش) وقيامه بالعديد من المذابح والممارسات البشعة التي صورها وبثها إلى العالم، وقبل ذلك ما قامت به (القاعدة) من أعمال إرهابية في مناطق عدة من العالم، ومنها في دول الحصار، والدول التي أصابها (الربيع العربي)، كل ذلك أدى إلى سهولة اتهام نَصْب المشانق للإرهاب، وتقديمه "قربانًا" لأي خلاف أو حدث يحدث في أي منطقة من العالم. والغريب أن من يُطلق كلمة (إرهاب) يدرك أنه يعني شيئًا أو أشياء أخرى! ولأن الإرهاب لا يملك لسانًا، وليس لديه فضائيات تدافع عنه، ولا يستطيع "استئجار" كتّاب يدافعون عنه، فإنه يظل مكمَم الفم، ولربما يضحك بداخله من المسرحية التي تطوف العالم. لقد استُخدم مصطلح (الإرهاب) Terrorism عام 1798 تطبيقًا لأحد تعريفاته وهو (الاستخدام المُنَظم للعنف لبلوغ أهداف محددة)! كما تم استخدامه كنوع من الإجراء العنيف الذي تقوم به جماعات ترى نفسها ضحية من ضحايا التاريخ! وتعتمد هذه الجماعات على دعم حكومات خارجية، وغالبًا ما تكون أهداف هذه الجماعات مدنية، مثل استهدافها للسفارات، الطائرات وأماكن العبادة.. إلخ. ومن تعاريف الإرهاب أنه "نشاط غير رسمي وغير مُصرَّح به لاستخدام العنف والترويع لبلوغ أهداف سياسية". (معجم أكسفورد). ويعتمد الإرهاب على إلحاق العنف بالأفراد وسلب نعمة الأمن من المجتمع، وخلق أجواء التوتر والخوف، بقصد بلوغ أهداف سياسية أو عقائدية! وينتج عادة عن التخلف، البطالة، سوء توزيع الثروة، الفساد الإداري الحكومي، إضافة إلى عوامل خارجية. (mawdoo3.com) وللأسف، حتى وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بالذات تخلط بين الدفاع عن الحقوق والأرض وبين الإرهاب، كما هو الحال في فلسطين! ويرى بعضها أن ما يقوم به المناضلون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة نوع من العمليات الإرهابية! ولا تلتفت تلك الوسائل إلى (إرهاب الدولة) الذي تمارسه القوات الإسرائيلية المحتلة، وآخر أمثلة ذلك منع المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى، ووضع البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد، واستخدام العنف والاستفزاز ضد المصلين في باحات المسجد. ولعلنا نستذكر هنا نضال شعب جنوب إفريقيا ومعاناته مع نظام الفصل العنصري، وكيف أن المناضل (نلسون مانديلا) قضى أكثر من 27 عامًا من شبابه في السجن، حتى حرَّر بلاده من إرهاب الحكم العنصري. في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام الغربية تسميّ ذاك النضال بأنه إرهاب! واليوم، وفي ظل عصبية طائشة، وفي تجاهل لقيم النبل والأخلاق وحُسن الجوار، والقربى، والمصير المشترك، تُركز دول الحصار على أن قطر تدعم الإرهاب وتموله! وبعض هذه الدول يمارس ذات الفعل الاتهامي، كما تكشفُ لنا الأوراقُ يومًا بعد يوم. إن الوقوف مع الشعوب المُضطَهدة ومساعدتها لا يمكن أن يُصنّف كنوع من الإرهاب! بل إنه نوع من الشهامة ونجدة الملهوف وإحقاق الحق! وإذا كانت دول الحصار تختلف مع دولة قطر حول (حماس) مثلًا، فإن العالم كله يدرك مدى الظلم الذي يوقعه الحصار الإسرائيلي على هذا الشعب المناضل! وهو يحتاج إلى الدعم والتأييد من جميع الأحرار في العالم، ولا نعتقد أن مساعدة أي شعب مظلوم ومُضطَهد بأنه نوع من الإرهاب! وهل كان وقوف الشعوب العربية مع الشعب الجزائري ضد المحتل الفرنسي إرهابًا؟ أو وقوف دول التعاون كلها مع شعب البحرين ضد التدخلات الإيرانية إرهابًا؟ أو وقوف دول التعاون مع الشعب اللبناني عام 2006 إرهابًا؟ لذلك، كان يجب على الساسة في دول الحصار وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بحقيقة الخلاف مع دولة قطر، وعدم تقديم الإرهاب كقميص عثمان يُرمى في عين الحقيقة! كما أنه لا يجوز تثبيت المواقف السياسية برمي الكلمة التي تُدغدغ عواطف الغرب والأمريكيين المحترقين بنار الإرهاب، واتهام قطر به، ضمن "هوجة" الإعلام الذي أصبح يُغيِّب الحقائق، وينشر الفوضى في كل الأنحاء.