28 أكتوبر 2025
تسجيلفي أكثر من آية منذ بواكير النزول القرآني وعلى مدى سوره - المكية والمدنية - يتقرر هذا القرار، ليترسخ عقيدة في وعي وقلب وعقل كل مؤمن بهذا الدين العظيم ليعمل له ويسعى، ومن هذه الآيات: "لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" آل عمران: مدنية "بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" يونس مكية: "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" الزخرف: مكية "وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" النحل: مكية "وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" البقرة: مدنية "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُون" النحل: مكية "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" الجمعة مدنية "مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" الجمعة: مدنية وحكمة هذه الخيرية عدة وُجُوهٍ فيما يأتي: أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ يَطْلُبُ المال فهو في تعب مِنْ ذَلِكَ الطَّلَبِ فِي الْحَالِ،"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ" البلد مكية : وَلَعَلَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَدًا لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ قَبْلَ الْغَدِ، فَكَم مِن صَحيحٍ ماتَ مِن غَيرِ عَلَّةٍ... وَكَم مِن عَليلٍ عاشَ دَهراً إِلى دَهرِ وَكَم مِن فَتىً يُمسي وَيُصبِحُ آمِناً... وَقَد نُسِجَت أَكفانُهُ وَهوَ لا يَدري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ "صحيح مسلم — كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، وَأَمَّا طَلَبُ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ: مدنية. وَثَانِيهَا: هَبْ أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى الْغَدِ لَكِنْ لَعَلَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَا يَبْقَى إِلَى الْغَدِ، فَكَمْ مِنَ إِنْسَانٍ أَصْبَحَ أَمِيرًا وَأَمْسَى أَسِيرًا، وَخَيْرَاتُ الْآخِرَةِ لَا تَزُولُ لِقَوْلِهِ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ [الْكَهْفِ: مكية وَلِقَوْلِهِ: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النَّحْلِ مكية: "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"المدثر: مكية. وَثَالِثُهَا: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَبْقَى إِلَى الْغَدِ وَيَبْقَى الْمَالُ إِلَى الْغَدِ، لَكِنْ لَعَلَّهُ يَحْدُثُ حَادِثٌ يَمْنَعُكَ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِثْلَ مَرَضٍ وَأَلَمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمَنَافِعُ الْآخِرَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَرَابِعُهَا: بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ فِي الْغَدِ يُمْكِنُكَ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَلَكِنْ لَذَّاتُ الدُّنْيَا مَشُوبَةٌ بِالْآلَامِ وَمَنَافِعُهَا مَخْلُوطَةٌ بِالْمَضَارِّ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَمَا أَحْسَنُ قَوْلَ الشَّاعِرِ... طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا... صفوا من الأقذار وَالأَكْدَارِ... وَمُكَلِّفُ الأَيَّامَ ضِدَّ طِبَاعِهَا... مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ... وَإِذَا رَجَوْتَ الْمُسْتَحِيلَ فَإِنَّمَا... تَبْنِي الرَّجَاءَ عَلَى شَفِيرٍ هَارِ هُمُومُك بِالْعَيْشِ مَقْرُونَةٌ... فَمَا تَقْطَعُ الْعَيْشَ إلَّا بِهِمْ إذَا تَمَّ أَمْرٌ بَدَا نَقْصُهُ... تَرَقَّبْ زَوَالًا إذَا قِيلَ تَمْ حَلَاوَةُ دُنْيَاك مَسْمُومَةٌ... فَمَا تَأْكُلُ الشَّهْدَ إلَّا بِسُمْ فَكَمْ قَدَرٌ دَبَّ فِي مُهْلَةٍ... فَلَمْ يَعْلَمْ النَّاسُ حَتَّى هَجَمْ وَأَمَّا مَنَافِعُ الْآخِرَةِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَخَامِسُهَا: هَبْ أَنَّ تِلْكَ الْمَنَافِعَ تَحْصُلُ فِي الْغَدِ خَالِصَةً عن الشوائب وَلَكِنَّهَا لَا تَدُومُ وَلَا تَسْتَمِرُّ، بَلْ تَنْقَطِعُ وَتَفْنَى، وَكُلَّمَا كَانَتِ اللَّذَّةُ أَقْوَى وَأَكْمَلَ، كَانَ التَّأَسُّفُ وَالتَّحَسُّرُ عِنْدَ فَوَاتِهَا أَشَدَّ وَأَعْظَمَ، (إِن اللَّيَالِي لم تحسن إِلَى أحد... إِلَّا أساءت إِلَيْهِ بعد إِحْسَان) (فيومٌ علينا وَيَوْم لنا... — _ وَيَوْم نُساء وَيَوْم نسر) حينا يسرّ وَأَحْيَانا يسوء فَلَا... هَذَا بباقٍ وَلَا هَذَا بمنقطع فأحداث الزمان لا قرار لها وإنما تتعاقب ما بين، خير وشر، وخصب وجدب، وسعادة نحس، وولاية وعزل، ومقام وسفر، وغم وفرح، وفقر ويسار، ومحبة وبغض، وجدة وعدم، وعافية وسقم، وألفة وشتات، وكساد ونفاق، وإصابة وإخفاق، وراحة ومشقة، وقسوة ورقة، وتيسير وتعسير، وتمام وانقطاع، والتئام وانصداع، وافتراق واجتماع، واتصال وانبتات، وحياة وممات، ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر؟! هذا آدم، طاب عيشه في الجنة، واخرج منها، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلي بالنار، وإسحاق، بالذبح، ويعقوب بفقد الولد، ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا، وأما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش، فمعلوم. وَمَنَافِعُ الْآخِرَةِ مَصُونَةٌ عَنِ الِانْقِطَاعِ وَالزَّوَالِ. "وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ*وَظِلٍّ مَمْدُودٍ *وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ *وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ *لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ " الواقعة مكية "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " هود مكية: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ" القصص: مكية "فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" الشورى: مكية. وَسَادِسُهَا: أَنَّ مَنَافِعَ الدُّنْيَا حِسِّيَّةٌ وَمَنَافِعَ الْآخِرَةِ عَقْلِيَّةٌ، وَالْحِسِّيَّةُ خَسِيسَةٌ، وَالْعَقْلِيَّةُ شَرِيفَةٌ نفيسة. زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ *قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"آل عمران مدنية. اللهم إنا نسألك نعيم الآخرة بغير سابقة عذاب ولا سالفة حساب ولا عتاب اللهم آمين.