07 أكتوبر 2025
تسجيلما يحدث في مصر منذ الانقلاب الأخير على الشرعية ليس بعيدا ما حدث ويحدث في سوريا منذ عامين ونصف العام . بل يكاد السيناريو يتطابق ، والمشاهد تتكرر. الاختلاف فقط في أن الأحداث التي وقعت في الأولى كانت انقلابا على ثورة ومحاولة لإجهاضها في مهدها، بينما الأمر في الثانية محاولة لقمع ثورة ومنع بلوغ أهدافها، في تحقيق الحرية والكرامة ،وإنهاء ظلم وقمع نظام ديكتاتوري متسلط. قبل أشهر قليلة قال طاغية سوريا بشار الأسد مفاخرا بكل عنجهية وصلف : إن تجربة الجيش العربي السوري ستدّرس، وتطبق من قبل جيوش اخرى ، ولم يدر في خلدي أن استلهام تجربة جيشه البغيضة يمكن ان تطبق من قبل آخرين بهذه السرعة، وحذو القذة بالقذة . كان الناس في مصر يمتدحون الجيش المصري ، في ثورة يناير ، لعدم تورطه في قتل المتظاهرين او الوقوف في وجه ثورتهم الشعبية ، بخلاف قوات الأمن والداخلية، أو بخلاف جيش عقائدي طائفي دموي كالجيش السوري، ارتكب أشنع الفظائع ، فإذا بالتجربة تثبت ان ملة الجيوش العربية واحدة إلى حدّ كبير ، فمن قاد الانقلاب على الشرعية، ومن يتصرف بشؤون مصر اليوم، والآمر الناهي فيها هو وزير الدفاع ، ومن يشرعن القتل والبطش والتنكيل بحق المدنيين، ويرتكب المجازر البشعة هو نفسه. والمؤلم أن هذين الجيشين لم يحققا انتصارات إلا على شعوبهم المسالمة ، بينما غابت هذه العنتريات والبطولات عن مواجهة العدو الصهيوني او حماية حدود بلديهما . وكثيرا ماجرجرا أذناب الخيبة والخزي في مواجهة اليهود الغاصبين ، وغطيا عن غزو العدو لهما في عقر ديارهما بعبارات من قبيل الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. ويتشابه ما يحدث بين الدولتين بنعت النظامين وجيوشهما للثوار ، والمتظاهرين والمعتصمين السلميين وأصحاب الشرعية من الأحزاب والجماعات والأفراد بالإرهابيين، وتلفيق وفبركة التهم الباطلة ضدهم ، وشيطنة تحركاتهم ، لأكثر من سبب ، لعل أبرزها تبرير الانقلاب عليهم، أو الوقوف ضد حراكهم الشعبي، أو حجم القوة المفرطة التي استخدمت معهم داخليا ، وكسب وقوف الغرب في صفهم ، أو على الأقل ضمان صمته عن أفاعليهم المنكرة . ويتفق النظامان المسيطران ظلماً وعدواناً في قوة ماكنة الدعاية والتزييف والتضليل التي يمتلكانها ضد الثورة والثوار والشرعية وأصحابها ، مع الفارق أن الإعلام في سوريا بيد النظام تدعمه قنوات طائفية تتبع حزب الله وملالي إيران، بينما يقف مع عسكر مصر إعلاميون علمانيون ويساريون، كرهاً بفكر الإسلاميين، ولأنهم تضرروا من صعود الإسلاميين على حسابهم ، وذاقوا مرارة الخسارة أمامهم في صناديق الاقتراع، غير مرة، بسبب شعبيتهم الضعيفة في الشارع المصري. وفي التفاصيل لا خطوط حمر لدى العسكر في البلدين ولأنظمتهما الحاكمة، ولا حرمة لديهم أو لشبيحتهم أو بلطجيتهم حتى للشيوخ المسنين أو الأطفال الصغار أو النساء أو لاستهداف المساجد والمآذن والكنائس ودور العبادة، وقد وثّقت الصور كثيرا من جرائمهم. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد لحظر أكبر الحركات السياسية " الإخوان المسلمون" طالما أنها التحدي الأكبر لهما ، وإقصائها من المشهد السياسي تماما ، هذا ما يخطط له النظام المصري ، بكل بجاحة وصفاقة ، وهذا ما فعله نظام الأسد الأب والابن، في عدم السماح لها بالحركة في سوريا ، ثم بإصدار حكم الإعدام بكل من ينتمي إليها ، في الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن، وتشويه صورتها . يستغل العسكر في البلدين ، مياعة مواقف الغرب في التعامل مع جرائمهما بحق المدنيين وحراكهم السلمي، وفي الحالتين نسمع جعجعة في الظاهر ، ولا نرى طحنا عمليا ضدهما .. والشعور العام أن هناك تواطؤا دوليا معهما أو اتفاقا عن الصمت عن جرائهما. ما يحدث في سوريا ومصر الآن لا يمكن فصل مسارهما عن بعض البعض ، بل لا يمكن أن فصله عما يحدث في بلدان الربيع العربي . أنظمة وقوى لا تريد لهذه الثورات ان تنتصر، أو عسكر وقوى تساندهم تضرروا من ربيع الثورات العربية ومن صعود الاسلاميين عبر العملية الديمقراطية، لذا انقلبوا على الثورات والعملية الديمقراطية بدعم من قوى إقليمية ودولية لا تخفي وجهها القبيح وتأييدها الكريه . وإزاء هذا الوضع لابد للشعوب والقوى الثائرة من المثابرة ومضاعفة الجهود لأن أصحاب الحق سينتصرون في نهاية المطاف، مهما حاول الباطل وماكينته الإعلامية إعاقتهم، ومهما بلغت قيمة الأموال التي تصرف في هذا المجال " فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة" .. وعليهم أن يدركوا أن عملية التغيير قد تحتاج لوقت وزمن وتضحيات، فليصبروا ويصابروا ويرابطوا ويثبتوا .والله معهم ولن يترهم أعمالهم .