18 سبتمبر 2025
تسجيلتفرّقنا هذه الحياة لأسباب قد تكون مجهولة في معظم الأحيان، فكثير ما تُقابل أرواحنا أرواح أتلفتها وقلوبٌ لامست مشاعرنا، ولكن غالباً ما يحين الوقت لكي تجلس هذه المشاعر في مطار الوداع استعداداً للرحيل، فيمكث ذلك الضمير في قلب صفحات وفاءه وقد كُتبت آلامه في قصاصات من ورق صغير بحبر من دمع حائر وصوت صرير القلم لسان حاله يقول كفى أيها الضمير! نعم... أيها الضمير! فلن يبقى لك أحد... أفلم يأن لك أن تستفيق قليلاً؟ فقد عاث اللصوص في الأرواح فساداً، فتجد أحدهم يبتسم في وجهك وأنيابه تخيل إليك أنها تضحك وأنت لا تعلم عن سمها وخبثها فكم من شخص مددت له يد العون وقد قطعها لك اللئيم بعد أن أشبعته بوفائك وصدقك، فما أصعب من طعنة اللؤم فيُغرس خنجر الغدر بظهرك، فهل لك أن تفوق من غيبوبتك أيها الضمير؟! في آخر لحظات الحياة وعندما يستنشق الانسان آخر أنفاسه والتي شارفت على التوقف، يتذكر أحبابه الذين هم حوله هل منحهم ما يستحقونه من حب واحترام، وكيف له أن يودعهم ويسلم الروح إلى باريها، وقد يأخذه التفكير في أُناس قد جرحهم أو أبكاهم من ألم أصابهم جرّاء فعل يديه... فضميره يتحرك بعد أن أنبه بما فعله في السابق من أخطاء وذنوب في حق الآخرين، فهل له من مغفرة يجزى بها قبل موته؟! فالموت هناك ينتظر والروح متشبثة في الحياة، ولكن عقارب الساعة قد اقتربت لكي تدق أجراسها ويتوقف القلب عن النبض وتبدأ رحلة العالم الآخر....استفيق أيها الضمير.... في ذلك الصندوق الصغير المخبأ تحت تلك الطاولة، تستتر في أعماقه الذكريات القديمة لأصدقاء رحلوا من حياتنا وقد غطاها الغبار، صور مقطعّة، أوراق نُثر عليها حبر الماضي من خواطر وحكايات مبعثرة، قلم حُفر عليه اسم أحدهم، زجاجة عطر مكسورة وقد تبقى القليل من أثر الرائحة، ووردة جفت من شدة البؤس وظلم الفراق.... لم يتم التخلص من تلك الذكريات، فقد أبى ذلك الضمير أن ينهيها ويجعلها تطير كالسراب، فأي ضمير يتحمل كل هذا العناء؟ مسكين ذلك الضمير الذي بالرغم من انصدامه بالبشر ولكنه لا يزال يثق بهم، ضربات قاسية ذاقها، وهموم غرست في أعماقه، ويمكث طوال الليل يتساءل لماذا يحصل لي كل ذلك؟ ولم البشر أصبحوا أشبه بالذئاب!؟ يتقلب على فراشه وقد أنهكه التعب من شدة التفكير فيعيد ذات السؤال ولا يجد أية إجابة سوى صوت حشرات الليل وهمسات الهواء وهي تداعب أوراق الشجر، فعيونه تقطر مطراً إلى أن زرعت على وجنتيه حدائق من التساؤلات التي لم تلق أي اجابة، في نهاية الأمر يلقي باللوم على نفسه بعضاً من الوقت وبعدها يعيد ذات الخطأ في الصباح الباكر... أفلم يعلم هذا الضمير بأنه لايوجد شيء يستحق العناء سوى ضرب الحياة عرض الحائط، والعيش اليوم من أجل الغد، وليس أي غد بل الصبر من أجل تلك الحياة التي ننتظرها في الجنة.... فهنا أيها الضمير تبدأ الحياة.... فاترك الناس لرب الناس وعش ماشئت فأنت راحل واحبب من شئت فلا بد من الفراق... واقترب من الله فهو الحي الذي لايموت وبيده السعادة فهو الوحيد الذي لن يفارقك بل لن يخذلك.... نقطة فاصلة: ـ لا تحزن إنْ فارقك أحدهم... أو خذلك أقرب الناس إليك... أو أنكر معروفك شخص عزيز عليك... فقط اجمع هذه التصرفات وادرجها تحت بند: "كل يتعامل بأصله"... ثم تناسى الأمر...