13 سبتمبر 2025
تسجيللو أنك تسمعت الضجة التي تسود أرجاء العالم وحاولت استبانة معناها ما وجدت إلا بغام الغرائز المهتاجة تريد إثبات نفسها وتحقيق رغباتها وتجد الإنسان مشغولا بما ينبغي له فعله من إسكات رغباته المحصورة ما بين فكيه وفخذيه. من أجل ذلك حث الله جل في علاه عباده المؤمنين به أن يقاوموا هذا الذهول السائد وأن يتخلصوا من هذه الغيبوبة العامة، وأن يذكروه برغم هذه المنسيات وهذا هو سر الوصايا المتكررة بإدمان الذكر. (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين). (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً). (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم). إن ذكر الله تعالى أشرف ما يحضر بالبال وأشرف ما يمر بالفم وأشرف ما يتألق به العقل الواعي وأشرف ما يستقر في العقل الباطن. إن ذكر الله تعالى يجب أن يأخذ صوراً كثيرة وذلك حسب مناسبة الأحوال التي يكون الناس بإزائها. فمثلاً أمام من يرفضون الاعتراف بالخالق ويكرهون الإيمان به نقول لهم: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل 62 له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون). أما الذين يتخذون مع الله شركاء يكون ذكر الله بتوحيده وإفراده بالعبودية، والتوجه إليه وحده بالدعاء والرجاء. (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون، ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين). الناس قد يقلقون للمستقبل أو قد يشعرون بالعجز أمام ضوائق أحاطت بهم، ونوائب نزلت بساحتهم. وهم أضعف من أن يدفعوها، إنهم إذا كانوا مؤمنين تذكروا أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء بصير، وأنه غالب على أمره، وأن شيئاً لن يفلت من يده ولذلك يشعرون بالطمأنينة، وهذا المعنى هو المراد من قول الله عز وجل: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب). كذلك يجيء ذكر الله في موقف الإنسان مع ماله الذي يعشقه ويحب جمعه وادخاره فيأتيه الشيطان ويحاول أن يملأ فؤاده خشية المستقبل وأن يغريه بالشح به، إلا أن ذكر الله يفك تلك القيود ويزرع في نفس المؤمن الأمل والرجاء إذا هو بسط يده بالنفقة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت...). ويقول: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم). فذكر الله سبحانه يأتي الإنسان عندما يختلي مع نفسه وفي أوقات فراغه فإذا أراد الله به خيرا ذكره فذكره، ذكر من خلقه: (من أي شي خلقه)، من رزقه: (الذي هو يطعمني ويسقين)، من علمه: (الذي خلق الإنسان علمه البيان)، فعرفت نفسه قدرها وعجزها وفقرها: (وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ قَبْل وَلَمْ تَكُ شَيْئًا). ذكر الله وهو بحالته تلك ففاضت عيناه أنه دخل في قائمة "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وعد منهم: "ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"، إنها عين بكت من خشية الله: (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله). إن ذكر الله عز وجل معنى كبير، إنه يجيء ضد نسيانه سبحانه: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون). إن ذكر الله من أشرف العبادات وأنفس ما يجري على اللسان من كلمات وما يثبت في القلوب من معان، وهو مفتاح الصلة المباشرة بالكبير المتعال: (فاذكروني أذكركم وأشكروا لي ولا تكفرون). وقد تنافس الصالحون في الله، وربطوا أفئدتهم وأذهانهم به، وقد رأوه طريقاً سريعاً للوصول إلى مقام القرب والأنس بالله عما تزخر به هذه الحياة الدنيا من فتون ومجون: (إنما الحياة الدنيا لهو ولعب...) أخي: فلا تترك ذكر الله لعدم حضور قلبك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور وأنس. فاذكر الله ذكرا كثيراً بالصباح والعشي وفي كل حال: (الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار...)، (فاذكر الله ولا تكن من الغافلين). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين